على بعد مسافة كافية من فترة الحراك
الإجتماعي الذي عرفته بلادنا كقدر جماعي للدول الرازحة تحت الدكتاتورية ، بدأت
الصورة تأخد أبعادا أوضح مما كانت عليه خلال فصل وصف جورا بالربيع . فالأشياء لم
تتغير عما كانت عليه قبلا ، وبدا الدستور كقنطرة صغيرة مهترئة على واد ضخم في
صحراء قاحلة ، قد تنجح في حملنا على عبور الوادي لكنها لا تأخدنا سوى لضفة مشابهة
تماما لتلك التي نقلتنا منها . بل الأمر أسوأ ، فالدستور شرعن بشكل من الأشكال
الممارسات التي كانت تباشر في استحياء ، فأضحى لأحلام المغاربة سعر رسمي .
السؤال
الطبيعي والعادي الذي يجري على كل لسان يستقصي الحقيقة هو / ما الذي تغير في واقع
وحياة المغاربة بعد الدستور الجديد ؟ هل تحررت حناجرهم ؟ هل حازو حقا من حقوقهم
بشكل يراعي كرامتهم ؟
الجواب
في الواقع اليومي لكل واحد منا ، لازالت الإحتجاجات تتناسل في كل المدن ، أمام
الإدارات والمؤسسات ، قبالة الشركات ، في الشوارع العارية إلا من قوى تنزيل الشق
الخفي من الدستور .
استيقظنا
من وهمنا الكبير على مصيبتنا الكبرى ، إد تولى أمور الحكومة رجال الدين ، ليمارسوا
سطوتهم على الأجساد كما فعلو بالعقول والأرواح ، وياله من ألم ذاك الذي يسببه
السوط العقائدي .
حينما
ازدادت تجمعات المطالبين بحقهم الدستوري في التشغيل والعيش بكرامة ، أطرق رئيس
الحكومة الشيخ بن كيران موعضته من على منصة البرلمان حيت يفترض أن يسمع الشعب
إجابات عن مطالباته واستفساراته ، فقال " الرزق على الله " ،
وعلى نفس المنصة خاطب وخطب ود هؤلاء الذين خرج بسببهم الشباب في العشرين من فبراير
وما تلاه من عشرينات الشهور التالية ، "فقد عفى الله عما سلف" .
وهو ذات الشيخ الذي اعتقد الأمازيغ والأمازيغية بدعة وضلالة ، حين وصف في واحدة من
جلسات الذكر والإفتاء كلام هؤلاء بـــ " الشينوية " ،
وتتوالى
الأدلة على أن الأمور لم تتغير وأن مسار مشاريع الفساد والإستبداد مستمر لا توقف
فيه ، والكرة لم تكن يوما في أيدي الشعب حتى يختار بنفسه ما يصنعه بمصيره ، إنما
اللاعب الذي يحتكر الكرة لازال كذلك ، والوهم الذي انتابنا بامتلاكها في لحظة من
اللحظات قد أزاحته الإيام ، وكان الدستور مجرد قنطرة صغيرة .