تبدو عبارة " البحث عن الحرية
" غير صائبة في وصف حال الجيل الجديد من الشباب الذي يثور هنا وهناك . فوحده ذاك
الذي عاش حالة تحرر تم فقدها ، أو ذاك الذي لمست وجنتيه نسمة الحرية في لحظة من لحظات
وجوده – وحدهم – يمكن أن يوصف تحركهم وتفكيرهم بأنه بحث عن الحرية . أما هذا الجيل
( الذي أنتمي إليه ) فقد ولد في رحاب " اللاحرية " ، ولم يعرف عن الحرية
إلا تلك المفاهيم التي تصكها الكتب والجرائد صباح مساء . لم نعرف الحرية ، وفي المقابل
لم نكن بحاجة لمن يخبرنا بأن حالة العبودية هذه ليست أبدا هي الأصل .
عبر جيل " آبائنا " تم حقننا
بأحاسيس الخيبة والهزيمة والخوف . آمالهم خابت ، وهم من راهن على مرحلة الاستقلال ،
راهنوا بأعمارهم وبدمائهم وأرواحهم . انهزموا وهم يتحولون من عبيد للمستعمر إلى أسوأ
من ذلك على يد إخوان لهم ركبوا موجة " الاستعباد " وأسسوا لإقطاع على شكل
دول ، انقسم فيه الإنسان إلى صنفين ، أعلى وأدنى . وعبر العقود الأولى تعلم الجميع
أن يخافوا ..
جيلنا الذي لم يكن يوما حرا ، تعلم كيف
يصور في ذهنه ملامح الحرية من خلال انكساراته . الفقر ، البطالة ، البؤس ، الدونية
، ... هي المعايير التي استعملناها حتى نحلم في منامنا ويقظتنا بهذه الحسناء التي يسمونها
الحرية .
لماذا هذا البؤس ؟ سحري هو هذا السؤال في
عالم البائسين ، فمن خلال طرحه تهتز المسلمات التي يضخها المستعبدون ( بكسر الباء
) منذ عقود في هذا الجسد .
على امتداد هذا العالم البائس من المحيط
إلى الخليج ، يطرح هذا الجيل ذات السؤال ، لماذا هذا البؤس ؟ ما يختلف في الإجابة من
هنا وهناك هو اللهجة فقط ، أما الألم فيتوحد ليصير مخلوقا مرعبا ، تبتدئ مراهقته على
شكل حزام ناسف ، أو هروب نحو جنة غربية ، أو شذوذ ، أو صمت ... قبل أن ينضج ويصير زلزالا
يكسر الكراسي الأنيقة والمريحة " للآلهة البشر " ، يجعلهم يطيرون إلى أرض
مقدسة ، وجودهم فيها يدنسها .
من تضيع منه الحرية لن يجدها أبدا ، وهذا
تماما ما حصل مع الجيل السابق . الحرية تصنع وتثبت إلى الأرض بالمؤسسات والرجالات
. وكما قال أحدهم ، بين الديكتاتورية والحرية يوجد دم ، لهذا فالدم هو المادة الأولية
لصناعة الحرية .
نعم ، نحن اليوم نعرف ماذا تعني الحرية
. لكننا لم نرها واقعا بعد . ولأننا لم نفعل فنحن مشتاقون جدا للتحرر . يا ترى ما مذاق
الحرية ؟ قطعا هو يختلف عن مذاق العبودية .
إذا كان الجيل السابق ، عبثا ، يبحث عن
الحرية ، فإن هذا الجيل أو ذاك الذي سيأتي ، لن يبحث عنها بل سيصنعها .
عصام