الفايسبوك أغورا معاصرة




لعل التطور الذي شهده العالم جراء إنتشار وسائل التحديث التقني أرخى بظلاله على القيم الحياتية للذات المعاصرة، إذ لم تعد الأفكار والتمثلات تابثة، بل صارت متحركة بتحرك محركات البحث الإلكترونية، التي فرضت أنظمة معينة للحقيقة كما صارت المواقع الإجتماعية منتشرة بكثافة التي عوضت اللقاءات الواقعية، والجلسات الحميمية،والنقاشات الفكرية أو السياسية.
ظهر الفاسبوك كحاجة ملحة في إستئناف ما هو واقعي في العالم الإفتراضي، فاللقاء الواقعي يتسم بمحدوديته في الزمان والمكان. إنه كسر لهذه المحدودية أي محاولة الإنفتاح على اللانهائي، لكن ذلك قد خلق عبثية في التنظيم الحياتي للفرد، بحيث إستغرق كل وقته، حتى أن الحياة كلها تخنزل في لحظة لقاء مع بعيد أو غريب يتحدث عن حالة الطقس أو رعونة الأجواء أو أحاديث إمبريقية مستهلكة.
لعل محاولة ربط الفايسبوك بالأغورا اليونانية لها ما يبررها، لأن معظم الصفحات تتحدث أو تتناول قضايا تدافع عنها، وبالتالي تشكل حلقة نقاش عمومي تتبادل فيها الآراء بكل حرية وتستدعى فيها الأدلة الواهية والقوية، وينتشر فيها القذف ويتبادل فيها التهم. الأغورا بعظمتها في المجتمع اليوناني لها قيمتها المتمثلة في الجمع بين نواب الأمة في حلقة عمومية تسعى نحو فض إقرار القرارات المتعلقة بقضايا الشأن العام. نظامية الأغورا هي التي إحتفظ بها التاريخ وكان لها الإسهام في الرقي بالحضارة اليونانية. لكن عبثية الأغورا الفايسبوكية تتجلى في إنعدام حس المسؤولية تجاه كل ما يناقش في هذه الصفحات الإجتماعية. طبعا لا ننكر الدور الريادي لهذه الصفحات في إنتشار حركات إحتجاجية أو تعبئة جماهيرية لقضايا سياسية أو غيرها، لكن نجد أيضا الجانب الآخر لهذه الأغورا المعاصرة وهو التشهير أو التمثيل بسمعة الأشخاص.

بقلم الأستاذ : مولود


قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014