‏إظهار الرسائل ذات التسميات فصول. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فصول. إظهار كافة الرسائل

" ازدراء الدين " في مصر


أحمد حرقان ملحد مصري ، شخص في غاية اللطف ، متزوج من زوجته الحامل و محاور جيد .. هو واحد من الأوائل الذي بدأ الحديث علنا في الإعلام العمومي وفي برامج المحاورة عن حقوق الملحدين في مصر .
هوجم ليلة البارحة هو و زوجته سالي في الشارع من أشخاص حاولوا قتلهم . و تمكنوا من الهرب نحو مقر شرطة " الحنفي الأجلاني " للإبلاغ عن الحادثة . و بدل أن تحميهم الشرطة ، وجد الزوجان و صديقهم كريم أنفسهم عرضة للإهانة من ضباط الشرطة و تم إيقافهم بتهمة " ازدراء الدين " . حتى محاميهم نال نصيبه من التحقير . بقي أحمد و سالي و كريم ينتظرون في مقر شرطة " الداخلة " تحويلهم على مكتب المدعي العام .
تعد مصر من البلدان التي صادقت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يشمل حرية المعتقد ، حرية التفكير و حرية التعبير . نفس الفقرات نجدها أيضا في الدستور المصري . إذا لماذا يقع شيء مثل هذا ؟
كثير من البلدان الإسلامية صادقت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تحت شرط أن لا يتعارض في شيء مع الشريعة الإسلامية . و الشريعة تمنح حرية دينية ( في حدود ) لبقية الناس باستثناء المسلمين . بمعنى أنك إذا كنت مسيحيا أو يهوديا فأنت حر في أن تغير دينك ( أن ترتد ) ، لأن هذا لا يؤثر بشيء على الشريعة ( لكن هذا لا يعني أن تتحول إلى واحدة من تلك الديانات التي لا يعترف بها رسميا ، أي أن الخيار منحصر في العقيدتين المسيحية و اليهودية ) . لكن و بمجرد الولادة من أبوين مسلمين ( أو التحول إلى الإسلام ) فأنت لا تملك خيار تغيير الديانة . العدول عن الإسلام سيجعل منك ملحدا ( مارقا )، و هو ما يعتبر عموما جريمة في الشريعة . الكثير من البلدان الإسلامية المعاصرة ( دعونا نطرح جنبا بلدانا مثل العربية السعودية و مثيلاتها ) لا تختار مباشرة عبارة  " ملحد " . لم يعد " الإلحاد " جزءا من القانون الجنائي المصري منذ  أواخر القرن الماضي ولم يشر إليه في أي من فقرات الدستور المصري .
لكن ما يبدو استعماله شائعا في مصر هي عبارة " ازدراء الأديان " التي تستعمل لمحاكمة الملحدين أو حتى العلمانيين الذين يتناولون بالانتقاد مواضيع حساسة في المجتمع الإسلامي . على فكرة في مصر يمكن أن تحاكم لازدرائك عشرات المواضيع المختلفة بجانب الرئيس أو حتى دولة باكستان . يعرف الدستور و كغيره من البلدان مفهوم " السياسة العامة " والذي بني على مفهوم الشريعة . و بالتالي فإن فعل الإلحاد و إن لم يأتي له نص في الدستور فإنك ستجادل في كون الشخص يتصرف ضد المجتمع الإسلامي و سينظر إليه على أنه يمس بالنظام العام .
كان أحمد حرقان يحادث زوجي في نقاش عام عن الأقليات الدينية وقد نال إعجابي شخصيا . في السنوات الأخيرة ظهر في العديد من برامج " التوك شو " على التلفزيون المصري متكلما عن الإلحاد في مصر ( أليكم مثالا عن ذلك على قناة فرانس 24 إنكليزية  http://www.youtube.com/watch?v=Xzi9cxpwQi4&feature=share )
للأسف فإنه وبعد مثل هذا الظهور فإنها مسألة وقت فقط قبل أن تجد نفسك مهاجما من طرف المجتمع المدني أو الدولة ( أو حتى أسوء ، منهما معا ) .  من المهم تمكين الناس من أن يعلموا ما يحصل و القيام بالضغط عن طريق نشر الأخبار .
في غضون ذلك : تم إطلاق سراح الثلاثة و تم إسقاط التهم عنهم . و الحقيقة أن وقوع مثل هذه الأمور وارد .


هنا بعض الروابط :  
https://www.change.org/p/egyptian-government-freedom-for-ah…

بقلم نينا تانسكانين 
ترجمة عصام بقسيم 
 المصدر :     A girl walking through the Middle East

تاريخ القرآن

موجز صغير للمقالة " القرآن"  (Welch, A.T.; Paret, R.; Pearson, J.D.),  في موسوعة الإسلام ، الطبعة الثانية 
توفي محمد سنة 632 ولم يخلف نسخة مكتوبة كاملة من القرآن ( وهو ما يتفق عليه العلماء الغربيون والمسلمون ) . العالم المسلم التقليدي لا يرى أي إشكال في هذه الحقيقة ، لأنه واستنادا إلى نظرتهم فالقرآن قد حفظ شفهيا بشكل مثالي منذ البداية وكتب خلال حياة محمد أو بعدها بقليل .

الفلسفة المعاصرة


إن الفلسفة المعاصرة هي فلسفة تشتت وتنوع،تستنطق الهوامش،وتقوم بتفكيك مركزية العقل وإمتداداته المعرفية والعلمية والميتافزيقية،ما جعلها تنأى بنفسها عن بناء الأنساق الفلسفية الشاملة لمناحي المعرفة،خصوصاً بعد تحققها التاريخي،ما هي إذاً الإشكالات التي عالجها الفلاسفة في الفترة المعاصرة؟ وما هي الأوضاع والمجالات التي توقفت عندها الفلسفة المعاصرة؟


أرتبط التنوع في الفلسفة المعاصرة بأزمة الأنساق الفلسفية خصوصاً بعد وصولها إلى نهايتها،وتحققها التاريخي،ما حدا بالفلاسفة إلى طرح جدوى النسق الفلسفي الشمولي،بإبرازهم للأبعاد المتعددة للأنساق، فالنسق الفلسفي يكرس سلطة الخطاب الواحد،والتصور الكامل للمعرفة،وللوجود، وللقيم،يظهر ذلك بجلاء في تاريخ الفلسفة( أفلاطون،أرسطو،ديكارت،هيجل وآخرون)، وقد أدت نتاجات الحداثة بثوراتها العلمية والمعرفية، إلى جعل الفلسفة المعاصرة تعيد خلق إشكالات تتعلق بوضع الإنسان المعاصر، يظهر هذا في المجال العلمي والتقني بالنسبة لأزمات العلم المعاصرة مع هيذغر في مساءلته للميتافيزيقا الغربية،حيث تم نسيان الوجود والاهتمام بالموجود، في إشارة للغياب وانعدام للحضور، وما ترتب على ذلك من إستيلاب للتقنية للإنسان بل تحوله إلى وجود مشترك خالٍ من القيمة.

تطرح التقنية إذاً إشكالية معرفية متمثلة في أزمة العلم ومفاهيمه، ووجودياً بنفيها للإنسان وتحويله إلى أداة، وهذا ما خلق التيه مقابل الحقيقة التي كرستها الأنساق الفلسفية الشمولية.
مساءلة الميتافيزيقا لم تتوقف عند هيذغر بل تجاوزتها إلى فلسفة التفكيك مع "جاك دريدا"، في حديثه عن مركزية الصوت باعتبارها أصلاً ونفي للكتابة التي تبقى نسخة لن تطابق المعنى مهما حاولت الذي يعطيه الصوت،وهنا صارت المعرفة غياباً وصار الهامش مركزاً.
أهم الفلاسفة المعاصرين الذين تحدثوا في أزمة العلوم الإنسانية،والقضايا الهامشية التي أهملتها الفلسفة الغربية(السلطة،المعرفة،الجنس،الخطاب...)،فالسلطة مثلاً لها إستراتيجيات وتقنيات تروم إلى السيطرة على الجسد وترويضه من أجل المصلحة الاقتصادية للبلدان،ويظهر ذلك في آليات المراقبة والمعاقبة،واستغلال السجين-الإنسان،وفرض معايير معينة في إضفاء صفات "السوي/المجنون" عليه،وأيضاً في تشكيل خطاب حول المعرفة
                                                                                  
إن الفلسفة المعاصرة أقترن معالم تفكيرها بحديث النهايات(موت الإنسان،التاريخ،المؤلف،المعنى،النص،الكتابة..)،وهذه المفاهيم كانت لها حظوة في الأنساق الفلسفية الكبرى،فقامت الفلسفة المعاصرة بتفكيكها،وكما تمت الإشارة إلى المجال العلمي والتقني،فهناك فلاسفة آخرون أنكبوا على معالجة قضايا مرتبطة بالعدالة والأشكال الجديدة للسلطة،وحقوق الإنسان..وهي قضايا تنتمي لحقول العلوم السياسية والاجتماعية والتاريخية.
وقد كان "ميشيل فوكو" من الإستشفائية والسجنية من أجل تبرير السياسات المهيمنة على الجسد، وهنا تغذوا المعرفة سلطة، والحقيقة خطاب مهيمن،هذا التفكيك الفوكوي للسلطة وأشكالها المتنوعة(المدرسة،السجن،المستشفى،الإدارة..)، يجد تبريره في نيتشوية فوكو،ونزعته الكشفية عن الإرادات المتخفية وراء المثال والفكرة.
تمتح في مرجعياتها من الحق الطبيعي للإنسان،فهي حقوق كونية تتعالى على الاختلافات الثقافية والعقائدية، وقد كان للأزمات السياسية دور كبير في صياغة وثيقة عالمية(ميثاق الأمم المتحدة)، تقبل الإضافة والتعديل لحقوق الإنسان المتنوعة،باعتبارها ليست معدودة ولكنها في حالة نقص دائم.
يظهر إذاً مما تقدم على أن الفكر المعاصر يطرح قضايا متنوعة وإشكالاته تتولد باستمرار،وتتداخل كي تعطي لوحة تشكيلية مختلف عناصرها،فلا يوجد فيه خطاب واحد،كما أن الفلسفة لم تعد تطرح سؤال التأسيس وفهم العالم بطريقة أحادية ونسقيه وحقيقية ،بل صارت تُسَاءِل وتفكك وتنفد،

سيتجه الفكر المعاصر إلى الحديث عن إشكالات العدالة السياسية والقضائية،خصوصاً مع "ليو شتراوس" في المجال السياسي،و"جون راولز" حول إشكالية العدالة التوزيعية.وفي خضم هذا النقاش الفكري حول قضايا العدالة والسلطة والمعرفة،انبثق إشكال حقوق الإنسان،باعتباره منظومة لا تقبل التجزيء،
وفهم بأن هذه العمليات هدامة للفكر بقدر ما تنير له دروباً ورؤى معرفية وحياتية جديدة.



بقلم الأستاذ مولود البيكم

فيزا نحو حياة أفضل


يعد موضوع الهجرة السرية واسع الانتشار في كل الأنحاء . أثناء سفري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، لم ألتق تقريبا بشاب لم يحلم بالرحيل عن بلده ( بلدها ) آملا في حياة أفضل ، مسيرة مهنية أفضل ، في الأمن ، أو فقط في مال أكثر حتى يساعدوا عائلاتهم أو حتى يتمكنوا من شراء سيارة أو لتحقيق أي شئ من تلك الأشياء التي يطمح إليها الإنسان . هي آمال ( أمنيات ) مشروعة ، فالقتال لأجل أهدافنا الشخصية ، ولأجل حياة مريحة ، ناجحة ومرضية قدر الإمكان ، ليس أمرا مرتبط بجنسية معينة أو بعرق أو لون . إنما المفاجئ جدا في الأمر هو سماع ما يقوله الناس في هذا الموضوع . وددت بالتالي أن أسجل بعضا من ذلك على أمل أن ينفتح الناس أكثر في الحديث عن هذا الموضوع .


                                                                                    
لن أستعمل هنا معطيات إحصائية ، إنما سأحكي عن تجربتي مع الهجرة في أوروبا . وأنا على يقين بأن هؤلاء الذين عاشوا تجربة الهجرة سيوافقونني فيما أقول .
يرعبني واقع أن كل من ألتقي بهم  تقريبا يظهرون الجانب المضيء للعيش في " الغرب " . أنا لن أذهب بعيدا لأقول بأن أوروبا عنصرية ، فبعض الناس هناك متعاونون وواعون بالصعوبات التي يواجهها المهاجر ، إنما من الأكيد أن " الغرب " ليس مكانا لطيفا حيث يمكن لشخص بالغ الانتقال إليه وبدء حياة جديدة فيه  . لنستحضر أن الكثير من البلدان الأوروبية لا تقبل الشهادات ( الدبلومات ) الممنوحة من بلدان العالم الثالث ( الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من هذه البلدان ) . لذا كن مستعدا لتبدأ من نقطة الصفر حتى تحصل على المال ، وتحلى بالصبر حتى تستطيع تحصيله من جديد – على الأقل هذه حال جزء من حملة الشواهد ( الدبلومات ) - .
 أما الخيار الثاني فهو أن تقبل الاشتغال في عمل زهيد الأجر لا يتناسب ومستواك الدراسي . أما إذا حالفك الحظ وكنت ملما بلغة بلدك الجديد ، فاحرص على أن تتحدث بلغات أخرى ، وإلا فإنك ستصرف سنواتك الأولى هناك في الحضور إلى مدارس اللغة ، وهي باهظة التكاليف .
تواجه كل البلدان الأوروبية موجة متزايدة من الهجرة ، وهو ما جعل حتى تلك المهن الزهيدة الأجر غير متوافرة بسهولة . وهي مهن على بساطتها تتطلب كذلك الإلمام ببعض المهارات اللغوية . المهاجرون  هم من يزاولون هذه المهن بشكل يبدو حصرا ، وهو ما يجعل ظروف العمل بها شبيها بتلك الموجودة في البلد الأصلي . والمؤسف أن أول ما يسألك عنه الأوروبي هي الشواهد ( الدبلومات ) والتوصيات . وقطعا فإن ما تحتاجه لحياة أفضل هو اللغة تم العمل حتى تقدر على دفع مصاريفك .

لنفترض أنك محظوظ  ، بأن هاجرت عن طريق عرض عمل أو عبر دعم مالي من العائلة لعبور المراحل الأولى . يبقى أمامك أسلوب الحياة والعقلية الأوربيين لتتآلف معهما .
سأعمم فأقول بأنه كلما توجهت نحو الشمال كلما أضحت الحياة هادئة . يبدو الهدوء شيئا إيجابيا ، الأمن والاستقرار . ولكنه كذلك مرادف للصمت ، منعزل ووحيد . الشوارع لا تعج بالناس ، ولن تلتقي أحدا في الشوارع يوم الأحد . قد يكون الأوروبيون مهذبين ، وسيدعونك تعيش حياتك ، لكنهم قطعا ليسوا منفتحين على عقد صداقات جديدة في سن بالغة – ليس الأمر شبيها بمصر حيث تخرج من المنزل وتعبر الشارع نحو المقهى لتلتقي بعشرات الأشخاص الذين تعرفهم وتتبادل معهم أطراف الحديث .
الأوروبيون لطفون في   مقار العمل وأثناء حصص الرياضة ، لكن ليس من السهل عقد صداقات معهم وقضاء الوقت برفقتهم . فالحياة الخاصة هامة ، وهو ما يعني أنهم في الغالب يقضون الوقت في المنزل مع أنفسهم ، ينامون باكرا حتى يستيقظوا باكرا ، وقد يحضروا لموعد في المقهى سبق وحددوه منذ أسبوع.  الجو بدوره ليس عاملا مساعدا ، فالجو خلال الشتاء ولشهور يبدوا رماديا ، وعلى رؤوس الأصابع يمكنك أن تعد الأيام حيث تطل الشمس ، انعدام النور هو تماما ما يطرحك أرضا .  

الشبان هم غالبا من يهاجرون . من 2011 و آلاف من شمال أفريقيا عبروا جبل طارق أو عبر طريق القوارب إلى لامبيدوزا ، وانتهى بهم الأمر إلى انتظار الحصول على حق اللجوء السياسي إلى أي بلد ، وهو ما بدا متعذرا وميئوسا منه .  تم إرجاع كثير منهم إلى بلادهم ، بينما قرر آخرون الاختباء في وضعية غير قانونية ، بلا وثائق ولا إذن عمل . 

من ناحية أخرى ، هناك جزء كبير من المهاجرين الشباب المتزوجين من أوروبيات ( طبعا هناك مهاجرات شابات كذلك ، لكن أقل في الغالب ، من ناحية لما يفرضه القانون الإسلامي على الزوج الأوروبي من ضرورة التحول إلى الإسلام .. ، ومن ناحية لأسباب أخرى متعددة . ) . ما يبدوا الشباب العربي غير مستعد له هو الإحساس بالتوكل التام على الزوجة في كل وأقل خطوة : اللغة ، المال ، القرار ، العائلة ، الأصدقاء ، والإحساس بالعيش وفق توجيهات لما يجب فعله وما لا يجب . وهذا يبرره كون الزوجة أدرى  منه بهذا البلد . حتى لو كان الشخص منفتحا ومستعدا لتغيير القواعد التقليدية في الحياة العائلية ، فإن العلاقة المزدوجة الثقافة يلزمها أن تتعامل مع العديد من المشكلات في الفهم وما إلى ذلك . وليس مفاجئا أن 80 بالمائة من هذه العلاقات لا تنجح .

أما بقية التحديات الصغيرة التي ستجتازها  فهي ، إيجاد صرفة في الحمام ، كيف تنظف نفسك بورق الحمام ، وستتعلم كيف تجد المتجر " التركي " و " العربي " لتحصل على بعض الطعام الذي تحبه ، والأهم هو أنك ستتعلم الطبخ إذا ما رغبت في أن تحصل على طعام شبيه بذاك الذي في الوطن . احترام الوقت ،  ومختلف أنظمة النظافة وما إلى ذلك . لكن أذكر بأن كثيرا من الناس يستخفون بالسنوات الأولى: لا أعرف أحدا لم يواجه آثار الكآبة خلال هذه السنوات .
الناس مشغولون للأسف بعرض صور لأماكن جميلة زاروها . وبإخبار العائلة والأصدقاء عن روعة الحياة هناك ، وإعطاء انطباع بأنهم نجحوا في جعلها حياة أفضل . وهذا ما يغذي هذه المغالطة (الكليشي) في الوطن ( الهجرة نحو أوروبا قد يعطيك حياة سهلة وأفضل وأغنى ) ، بينما في الواقع تعجز عن معرفة حل لدفع رسوم التأمين ، الإيجار ، التذاكر والطعام ، ... أو أنك لم تعقد صداقات كثيرة ، وبأنك تقضي وقتك وحيدا بالبيت ،، ففي النهاية  المطر ليس هو القضية * .

صحيح أن أجرك مرتفع ( إذا كان لك عمل ) لكن المصاريف كذلك مرتفعة  . وأنت تدفع ثمنا غاليا لرحيلك عن عائلتك و أصدقائك  ، وتلزمك سنوات طويلة من الصبر ومن المحاولات الصعبة للاندماج في الحياة المهنية وفي المجتمع .
من الأفضل تسمية الأمر بالقرار المصيري في حياة الفرد ، ذلك الذي تلزمنا إرادة قوية لاتخاذه  ، وبعدها فقط يمكن أن نسميه حلما بحياة أفضل . 



بقلم        نينا تانسكانين
ترجمة    عصام بقسيم


الذكورة و الأنوثة : تاريخيا و انتروبولوجيا


ما الذي تعنيه الذكورة والأنوثة؟
متى نقول عن شخص ما سواء كان ذكر أم أنثى انه أكثر ذكورة أو أكثر أنثوية؟
و ما المرجعية في ذلك؟ هل هو الأدب أم الخيال الشعبي أم تعاير الحياة اليومية؟
ما الذي يمكن أن تعنيه هذه الكلمات للأغلبية الناطقة بالعربية؟



للأسف لا يوجد حسب علمي دراسات لغوية-نفسية في اللغة العربية أو اللغات المنتشرة في منطقة الهلال الخصيب تحدد تماما هذه المعاني, لكن الدراسات الحضارية و الأدبية الغربية ذات القرب في هذا المجال تدل أن الاستعمال الشائع لهذه الكلمات يكاد يكون على النحو التالي:
الذكورة هي العنف و القوة و الجرأة و السيادة
الأنوثة هي الحنان و المنزل و الضعف 
الذكورة عقل...... الأنوثة عاطفة
الذكورة شهوة جنسية و تعدد علاقات. الأنوثة حب و إخلاص

و هذا تقريبا هو المتعارف عليه في الأدب العربي بشكل عام... فالكاتبة اللبنانية هدى بركات تناولت في روايتها (حجر الضحك) هذا الجانب, و رأت إن سبب الحرب الأهلية في لبنان هو طغيان الجانب ألذكوري... فبطل الرواية خليل ذو التوجه الأنثوي ,كان بعيدا عن الحرب و صراعاتها و مشغول بالحب و التنسيق و الأناقة و هي جوانب أنثوية, و كل الدراسات النقدية لهذه الرواية – و هي كثيرة- ركزت على هذا الفهم التقليدي لمفاهيم الذكورة و الأنوثة.

و إن كانت هذه هي النظرة العربية و حتى الأوربية الغربية بشكل عام إلى معاني الذكورة و الأنوثة, لكن لا يمكن أن نعتبر هذه السمة أصيلة أو فطرية....أي ليست عامة و شاملة لكل الجنس البشري..و هذا ما ذهبت إليه عالمة الانتروبولجية الشهيرة مارغريت ميد و التي قامت بدراسة في عام 1935 تناولت فيها مفاهيم الذكورة و الأنوثة في ثلاث ثقافات مختلفة,

الأولى تقع في غينيا الجديدة و هي مجموعات الاربيا..و فيها تتساوى مفاهيم الذكورة و الأنوثة و يجمع الجنسين نفس التصرفات و نفس الأدوار, و كلاهما يركزان على الحب و العاطفة و رعاية الأطفال والعمل معا من اجل العائلة....ففي هذه الثقافة لا يوجد عنف أو سيطرة احد الجنسين على الأخر.... أي أن كلا الجنسين يتمتعان بصفات أنثوية حسب السائد في الثقافة العربية
و على النقيض من ذلك فان شعب الموندوغامور يتميز بالعنف و الخشونة في كلا الجنسين....و كلاهما يحاول الابتعاد عن تربية الأطفال و رعاية المنزل
أي أن كلا الجنسين يتمتعان بصفات ذكرية حسب المفاهيم السائدة في منطقتنا
إما شعب التشامبولي فهو على عكس الثقافة العربية...يتميز بأن الذكور يميلون إلى العاطفة و يعملون بالمهن الثانوية في المجتمع بينما الرئاسة و الزعامة و أعمال الحقل و الصيد من نصيب الإناث.
إذن هناك مفاهيم مختلفة بين الشعوب حول تحديد سمات الذكورة و الأنوثة.

أما تاريخيا فلم تكن المجتمعات العربية و لا مجتمعات الهلال الخصيب تعرف هذا التمييز الواضح و المتطرف لتلك المصطلحات كما تعرفها حاليا مجتمعاتنا التقليدية
فالأنثى كانت لديها مكانتها الاجتماعية و لها حضورها السياسي و العنيف أحيانا.....فهند بنت أبي سفيان لعبت دورا كبيرا في الحض على معركة أحد , و خولة بنت الازور كانت فارسا و مقاتلا....أيضا عائشة بنت أبي بكر شاركت بشكل فعال في الحرب بين معاوية و علي بن أبي طالب بغض النظر عن صوابية هذه المشاركة من عدمها....
و الأنثى أيضا كانت مزواجة و لا تخجل من الاعتراف برغباتها الجنسية بكل وضوح و بساطة...فمعظم الصحابيات هن من المربعات و المخمسات أي اللاتي تزوجن أربع أو خمس مرات, وكثيرا ما يتم الزواج بناء على طلب الأنثى,و لم يكن هذا ليخدش انتويتها أو ذكورة الرجل,
فما يميز مفاهيم الذكورة و الأنوثة انتروبولوجيا هو الاختلاف الكبير بين هذه المفاهيم عبر الشعوب و الثقافات

و ما يميزها تاريخيا هو أيضا الاختلاف الكبير في النظرة عبر العصور
فما يعتبر ذكورة هنا ربما يعتبر أنثوية هناك
و ما يعتبر قلة أنثوية في الوقت الحاضر....ربما كان يعد امرأ عاديا في وقت سابق و ربما سيعد كذلك في وقت لاحق
و كلا المفهومين ليسا فطريين و إنما هما مكتسبان يتم غرسهما في نفس الطفل عبر التربية و القيم التي يتم تلقينه إياها في سنواته الأولى
و هي قيم قابلة للتغيير و التعديل في أي وقت من أوقات العمر...و إن كانت تخضع كبقية المفاهيم إلى التصلب مع التقدم في العمر ,
و ما يميز مفاهيم منطقتنا حول هذه القيم هي الظلم الكبير لكلا الجنسين و خاصة الأنثى في تحديد شروط الهوية الجنسانية .
فالأنثى لا رغبة جنسية لديها و لا رغبات عاطفية....يجب أن تطيع الذكر و تجلس في البيت و تأخذ إذنه في الخروج و العمل, و لا يجوز أن تكون المبادرة في العلاقة العاطفية و إلا اعتبر ذلك قلة أنوثة من جانبها و(خدش) لذكورة الطرف الآخر....و حتى جواز السفر لا يسمح (قانونيا) لها باستخراجه إلا بموافقة الزوج,
و أي رجل يتخلى عن هذه المكانة يعتبر (ناقص الذكورة) وما يستتبع ذلك من عار اجتماعي عليه و قلة احترام له حتى من جانب شريكته الأنثى,
إن مفاهيم الذكورة والأنوثة بحاجة لإجراء تغيير إسعافي داخل عقولنا للوصول إلى حد أنساني مقبول لكلا التعريفين يسمح لكل الميول و لكلا الجنسين في العيش بسلام بعيد عن ضغط هذين المفهومين,
و هذا لا يعتبر تغيير بسنن الكون كما يحاول إن يدعي البعض.... فالتاريخ و الانتربولوجيا شاهدان على انه لا سنن كونية ثابتة تحدد هذين المفهومين وإنما نحن الذين نصنعهم و نغرسهم في الجيل القادم و نحن قادرين تماما على هذا التغيير الذي حان أوانه .



احمد عسيلي 

كلفة الملكية في المغرب


عندما نشرت إحدى المجلات المغربية الصادرة بالفرنسية عام 2005 تحقيقا حول أجرة الملك في المغرب، التي قالت إنها لا تتعدى 360 ألف درهم شهريا (أي 36 مليون سنتيم)، علق وزير الداخلية الراحل إدريس البصري، من منفاه الباريسي في تصريح أدلى به لمجلة تصدر من باريس موجهة للدول الفرانكفونية الإفريقية على هذا الرقم ساخرا بأنه لا يساوي حتى كلفة تنقل الملك من مقر إقامته بالرباط إلى مكتبه بالقصر الملكي بالمشور السعيد بقلب الرباط !

علي أنوزلا
لم يصدر أي بيان أو تصريح رسمي عن الديوان الملكي يؤكد أو ينفي ما كتبته المجلة المغربية، أو ما جاء على لسان الوزير الذي كان يعتبر أقوى رجل في مملكة الملك الراحل الحسن الثاني بعد الملك.
اليوم نحن أمام أرقام حقيقية، رسمية، ومحينة، وعلنية، إنها أرقام ميزانية القصر الملكي في مشروع قانون ميزانية 2013 التي يمكن الإطلاع عليها على الموقع الإلكتروني لوزارة الاقتصاد والمالية.
ومن خلال قراءة سريعة لمشروع موازنة الدولة الخاصة بعام 2013، سنجد أن ميزانية القصر تبلغ: 2.576.769.000 درهم، (أي 7 مليون درهم يوميا أو 700 مليون سنتيم يوميا) أي ما يعادل أكثر من ضعف مجموع ميزانية وزارة الثقافة ووزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية (مجموع ميزانية الوزارتين هو1.265.788.000 درهم) . وللمقارنة فمجموع ميزانية وزارة الثقافة هو : 571.063.000 درهم. أما مجموع ميزانية وزارة التضامن فهو: 694.725.000 درهم. وهكذا سنجد أن ميزانية القصر تساوي 4.5 مرات ميزانية وزارة الثقافة و3.7 مرات ميزانية وزارة التضامن.
وإذا ما دخلنا في التفاصيل فسنجد أن ميزانية القصر مكونة من جزأين: التسيير والتجهيز. وفي جانب التسيير نجد بندا خاصا بالملك يتضمن: القوائم المدنية: 26.292.000 درهم (وهي مخصصة لأجرة الملك وتعويضاته وربما أيضا الأمراء)، ومخصصات السيادة: 517.164.000 درهم (لاتعرف ما هي هذه المخصصات التي تعادل ميزانية وزارة كاملة مثل وزارة الثقافة) . وبالإضافة إلى مخصصات الملك، هناك بند خاص بالبلاط الملكي، يتضمن مصاريف الموظفين والأعوان: 401.522.000 درهم، والمعدات والنفقات المختلفة: 1.500.183.000 درهم. وبالتالي يصبح مجموع ميزانية تسيير البلاط الملكي هو 2.445.161.000 درهم.
وللمقارنة فقط سنجد أن بند المعدات والنفقات الخاصىة بالقصر الملكي يتجاوز ذلك المخصص لوزارة مهمة مثل وزارة العدل والحريات، والتي لا يتعدى المبلغ المخصص لبند معداتها ونفقاتها المختلفة 321.783.000 درهم. في حين لا تتعدى مخصصات هذا البند في وزارة التجهيز والنقل – وما أدراك ما وزارة التجهيز والنقل - 107.135.000 درهم.
ولتقريب الصورة أكثر فإن مخصصات المعدات والنفقات المختلفة الخاصة بالبلاط الملكي، تعادل تلك المخصصة لقطاع مهم مثل وزارة الفلاحة والصيد البحري التي تعادل مخصصات هذا البند فيها 1.552.000.000 درهم.
أما ميزانية التجهيز (أو الاستثمار) الخاصة بالقصر في مشروع ميزانية 2013 فتبلغ
131.608.000 درهم، في حين تبلغ ميزانية التجهيز في وزارة سيادية مثل وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، التي عليها بناء وتجهيز السفارات والتمثيليات المغربية في الخارج 116.000.000 درهم فقط لاغير. وللمقارنة مع وزارات ذات طابع رمزي واجتماعي نجد أن ميزانية التجهيز في وزارة الثقافة لا تتعدى 216.750.000 درهم، وتصل نفس الميزانية إلى 177.800.000 درهم في وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية.
إن السؤال هنا يطرح حول الغاية من وجود ميزانية للتجهيز أو الاستثمار داخل ميزانية القصر الملكي، هل يعني ذلك أن القصر يخطط لبناء قصور أو إدارات جديدة تابعة له؟ ما هو معروف في المغرب هو أن "هناك ما يكفي وزيادة" من القصور والإقامات الملكية المنتشرة في جميع المدن والجهات المغربية. وأغلب هذه القصور والإقامات تابعة للولايات والعمالات، وبالتالي فهي في ملك الدولة، هي من يتولى بنيانها وتزيينها وتأثيتها وصيانتها وحراستها. كما أنه لايمكن تصور أن كل هذه الميزانية الخاصة بالتجهيز ستصرف على اقتناء سيارات جديدة، فمرآب سيارات القصر الملكي يزخر بمآت السيارات الفارهة والفاخرة ومن آخر الموديلات وأغلاها وأندرها أيضا..
طبعا لن تتم الإجابة على أي من هذه الأسئلة، بل ولن تطرح أبدا مثل هذه الأسئلة لا داخل مجلس الحكومة ولاتحت قبة البرلمان ولا على أعمدة الصحافة الرسمية أو الحزبية أو الخاصة. ولن ننتظر أن يرسل رئيس المجلس الأعلى للحسابات قضاته للتدقيق في طرق صرف ميزانية القصر، رغم أن الدستور يحتم عليه مراقبة كيفية صرف جميع ميزانيات الدولة بما فيها ميزانية القصر.
بل، سنسمع من داخل البرلمان من يطالب بزيادة ميزانية القصر، كما فعل أحد "النواب" المتملقين عند مناقشة ميزانية القصر الخاصة بعام 2012، عندما طالب بالرفع من ميزانية البلاط بدعوى أن "أنشطة" الملك و"تحركاته" تستلزم المزيد من الإنفاق عليها من ميزانية الشعب!
وبالفعل هناك من سيصدق مثل هذا الكلام بفعل الحضور القوي لأنشطة الملك وتحركاته على شاشات التلفزات الرسمية، لكن ما لايعلمه الكثير من الناس هو أن هذه الأنشطة والتحركات مكلفة جدا، لكن من يتحمل عبئها هي الميزانية العامة للدولة من ميزانية المجالس البلدية والجماعية، وميزانيات الولايات والعمالات، وميزانيات أجهزة الأمن والشرطة والدرك التي ترافقها لضمان سلامتها وأمنها...
أما من الناحية الدستورية، فإن الفصل 45 ينص على أن للملك قائمة مدنية. وهذا يعني أن مبلغ 26.292.000 درهم هو الوحيد من هذه المصاريف الذي يستند على أساس دستوري، (لأن الدستور لا يتحدث مثلا عن مخصصات السيادة) وهو مبلغ يقارب 1 في المائة من مجموع الميزانية المخصصة للقصر.
في الوقت الذي يدعو فيه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران المغاربة إلى شد الحزام ويفرض عليهم زيادات تمس قوتهم اليومي، وفي الوقت الذي يعيش فيه الاقتصاد المغربي حالة من الركود التي تنذر بأزمة خانقة مقبلة، كان ينتظر من الملك أن يعطي إشارة ولو رمزية بخصوص تقليص ميزانية القصر حتى يشعر المواطن الذي لا يجد قوت يومه في القرى والبوادي المنسية، ووراء أحزمة البؤس التي تحيط بالمدن الكبرى، وبعضها لا يبعد كثيرا عن القصور الملكية، بروح التضامن التي تسود المجتمعات في أوقات الأزمات العصيبة ويخضع لها الجميع من الرئيس إلى الغفير ومن الملك إلى الفقير.
في دولة ملكية مثل اسبانيا، التي يعتبر اقتصادها تاسع أكبر اقتصاد فى العالم حسب الناتج المحلى الإجمالى والخامس فى الاتحاد الاوروبى، وأمام الأزمة الاقتصادية التي تضربها حاليا خرج الملك الإسباني خوان كارلوسعلى شعبه وأعلن أمام الملأ تنازله طوعا عن جزء من مخصصاته ومخصصات أعضاء العائلة المالكة والعاملين في القصر الملكي أسوة بباقي موظفي الدولة الذين شملهم قرار الحكومة بتخفيض رواتبهم. كما قرر الملك تخفيظ ميزانية بلاطه التي تعد الأضعف من بين ميزانيات الملكيات في العالم. فهي لا تتجاوز 11 مليار سنتيم أو 110 مليون درهم في حين أن مخصصات الملك الاسباني لا تتجاز 300 مليون سنتيم مغربي. لنجد أنفسنا أمام المقارنة المفجعة: ميزانية القصر في المغرب تضاعف ميزانية القصر الملكي الإسباني 24 مرة. وأجرة الملك محمد السادس، تضاعف أجرة الملك خوان كارلوس أزيد من 18 مرة، بينما الاقتصاد الاسباني يعادل 18 مرة الاقتصاد المغربي!
وحتى بالمقارنة مع أنظمة رئاسية مثل النظام الفرنسي، فإن ميزانية القصر الملكي في المغرب تتجاوز ميزانية قصر الرئاسة "الإليزيه" الفرنسي بضعفين رغم أن الناتج الوطني الخام بفرنسا يتجاوز نظيره المغربي أكثر من 25 مرة!
لكن حتى هذه المقارنات قد تبدو مجحفة في حق رئيس فرنسا وملك اسبانيا، ليس فقط لأن الملك الاسباني عكس نظيره المغربي لايحكم وإنما يسود، ولكن لأن ملك المغرب بالإضافة إلى أنه يعتبر رئيس الدولة الفعلي "ملكية رآسية" أو "ملكية تنفيذية"، فالأمر سيان، فهو يعد أكبر مستثمر في البلد، وأكبر صاحب ثروة في البلد قدرتها مجلة "فوربز"ّ الأمريكية بنحو 2.5 مليار دولار أمريكي عام 2011 (وطبعا لا يشمل هذا الرقم قيمة القصور والإقامات والضيعات الملكية التي لا يُعرف عددها ولا قيمتها المالية).
الملكية في المغرب ليست مكلفة ماليا فقط وإنما اقتصاديا وسياسيا بل وحتى رمزيا ومعنويا. فهي مكلفة اقتصاديا بما أن الملك يعتبر هو المستثمر الأول في قطاعات مهمة. وحتى فترة قريبة كانت الاستثمارات الملكية هي المهينة على قطاعات اقتصادية أساسية مثل قطاع الإسمنت، وإنتاج البيرة، والزيوت، والحليب والبيسكويت ومشتقاتهما. ومازالت هذه الاستثمارات تهيمن على قطاع مهمة مثل إنتاج السكر، وتتواجد بقوة في قطاعات الأبناك والتأمين، واستغلال المناجم، وتتطلع إلى التغلغل في قطاعات صاعدة مثل الفندقة والاتصالات والطاقات المتجددة. بالإضافة إلى كل هذا يبقى الملك هو الفلاح الأول في بلده وبالتالي يعتبر هو المستفيد الأول من الإعفاءات الضريبية المطبقة على الفلاحة منذ فترة ما سمي باستقلال المغرب، ومن الدعم المالي المرصود للانتاجات الزراعية والحيوانية.
ومن الناحية السياسية يبقى الملك وحسب ما ينص عليه الدستور الجديد هو الرئيس الفعلي للجهاز التنفيذي من خلال رآسته لمجلس الوزراء الذي يضع الخطط الاستراتيجية لسياسات الدولة في جميع المجالات بما فيها تلك التي تهيمن عليها الاستثمارات الملكية أو تخطط للاستثمار فيها. بل إن بعض هذه السياسات ترسم ويخطط لها بعيدا عن الحكومة والبرلمان، مثل مشاريع "المخطط الأخضر" الخاص بالفلاحة، ومشروع "المخطط الأزرق" الخاص بتطوير السياحة، ومشروع الطاقات المتجددة... ومؤخرا قام الملك بجولة في دول خليجية للتسويق لمشاريع استثمارية بمليارات الدولارات لم تعرض على الحكومة ولم يصادق عليها البرلمان ولم يتضمنها البرنامج الحكومي، وقام بتسويقها مستشارو الملك وموظفوه بينما جلس الوزراء في أطراف طاولة الاجتماع، و قد ضُربت عليهم الذلة والمسكنة!
في "بيان الكرامة" الذي وقعه مؤخرا سياسيون ومثقفون وإعلاميون وفاعليون من المجتمع المدني، للاحتجاج على الطقوس المذلة التي ترافق حفلات الولاء وتجديد ما يسمى بالبيعة، جاء أن الملكية أصبحت مكلفة حتى من الناحية الرمزية والمعنوية، بما أن تلك الطقوس المذلة لم تعد تهين فقط كرامة من يسارعون طواعية إلى إذلال أنفسهم لها، وإنما باتت تلاحق كرامة وسمعة كل مغربي حيثما وجد.
الخلاصة أن الملكية في المغرب مكلفة ماديا واقتصاديا وسياسيا ومعنويا.
الحل هو الثورة، وهي آتية لاريب فيها.
علي أنوزلا

السعودية.. الخطر الداهم


ما هو أخطر نظام تخيفه إرادة الشعوب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويزعجه أخذها مبادرة تقرير مصيرها بيدها؟ الجواب البديهي هو أن كل الأنظمة السلطوية في بلدان المنطقة هي التي وقفت وتقف دون تحقق إرادات شعوبها، لكن هناك نظاما واحدا يلعب دور الحاضنة لكل هذه الأنظمة، يدعمها ويحفزها ويحميها ويدافع عن قمعها لشعوبها، ويأوي دكتاتورييها الهاربين، ويعالج المعطوبين منهم، ويدافع عن المعتقلين منهم، إنه نظام الأسرة الحاكمة في السعودية.
فعند قيام ما سمي بثورات "الربيع العربي"، تفاجأ الجميع بصحوة شعوب المنطقة وتوقها إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وقد اتضح الآن، وعكس كل ما كان يقال أن تلك الانتفاضات الشعبية التلقائية لم تحركها مؤامرات خارجية، لكنها بالعكس تعرضت ومازالت تتعرض إلى أكبر مؤامرات خارجية وداخلية.
واليوم ومع مرور الزمن بدأت بعض خيوط هذه المؤامرات تتضح، وينكشف من يمسك بها ويحركها عن بُعد. في البداية حاول نظام دولة صغيرة لكن بطموح كبير اسمها قطر أن يكيف هذه "الثورات" لصالح خطه السياسي الموالي لجماعة "الإخوان المسلمين" مستغلا قوة تأثيره الإعلامي وتواجد قيادات روحية لهذا التنظيم في بلاده، فبدأ بالتوجيه الإعلامي لمسار الثورات وضخ الملايين لحلفائه من تنظيمات "الإخوان المسلمين" في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا لترجيح كفتهم على باقي خصومهم السياسيين.
هذا "التحكم" في توجيه ثورات شعوب المنطقة ما كان ليمر بسلام أمام أنظار أنظمة عشائرية خليجية منافسة ترى في تحرر شعوبها خطرا على وجودها، وترى في دعم "الإخوان المسلمين"، أكبر خطر يتهددها، فتدخلت هي الأخرى لتوجيه "الثورات" لصالحها. وهكذا بدأ "إفساد" الثورات التلقائية للشعوب، عندما تدخلت أنظمة الأسر الحاكمة في السعودية والإمارات والكويت لنصرة أتباعها من التنظيمات السلفية وصنعت لها أحزابا من عدم، مدتْها بالمال والدعم الإعلامي في الانتخابات التي شهدتها تونس ومصر لترجيح كفتها ضد خصمها الرئيسي "الإخوان المسلمين" أصحاب فكر "الأممية الإسلامية" الذي يحلم بإقامة "الخلافة الإسلامية".
لقد سعت دول الخليج وخاصة النظامان القطري والسعودي، منذ هبوب رياح "الربيع العربي" لتقويض هذا الربيع. النظام القطري تدخل إعلاميا وماديا وحتى عسكريا في ليبيا وسوريا لترجيح كفة حلفائه من "الإخوان المسلمين" في المنطقة. وتدخل النظام السعودي عسكريا لقمع انتفاضة شعب البحرين، ودفع ماليا لإجهاض الثورة الشعبية في اليمن، وأنفق مليارات الدولارات للتأثير على الانتخابات الديمقراطية في تونس ومصر من خلال تشجيع "الإسلام السلفي" المرتبط بالفكر الوهابي السعودي، وتدخل ميدانيا في سوريا من خلال المليشيات الدينية المتطرفة التي باتت تصنف دوليا على لائحة "التنظيمات الإرهابية".
ومؤخرا نزلت السعودية بثقلها المالي والديني والدبلومسي، لدعم العسكر في مصر. في البداية كانت أول من رحب بـتدخل الجيش و"الانقلاب" على الحكم المدني "الاخواني"، وبادرت هي ودول خليجية، خاصة الإمارات، إلى رصد نحو 12 مليار دولار لدعم "التحول" العسكري في مصر. وبعد المجزرة التي ارتكبها الجيش أثناء فض اعتصام أنصار مرسي بميدان "رابعة العدوية" بعث الملك عبد الله بن عبد العزيز برسالة صوتية لمساندة حرب الجيش ضد "الإرهاب". وعلى إثر ارتفاع حدة الانتقادات الغربية لطريقة تعامل الجيش مع احتجاجات "الإخوان المسلمين" ومناهضي حكم العسكر، طار وزير خارجية السعودية وهو أقدم وزير خارجية في العالم، سعود الفيصل إلى باريس للضغط على الأوربيين وصرح هناك بأن بلاده تضع مواردها المالية وثقلها الديني كزعيمة للمسلمين السنة في العالم، ونفوذها السياسي لدعم العسكر في مصر.
---
موقف السعودية هذا، لا يحتاج إلى كثير من التفكير لفهمه، فبالنسبة للنظام السعودية هناك نوعان من التهديدات الإستراتيجية يعتبرها خطرا على وجوده: إيران و"الإخوان المسلمون". لذلك سعى هذا النظام الأسروي إلى استعادة زمام الأمور في المنطقة كلها، فأعاد الإمساك بالورقة السورية ليستعملها في صراعه ضد النفوذ الإيراني، ودعم الجيش المصري لإجهاض حكم "الإخوان المسلمين" لأكبر بلد إسلامي في المنطقة. كل هذا تزامن مع "الانقلاب الأبيض" داخل بيت الأسرة الحاكمة في قطر عندما أُبعد الأمير السابق لهذه الإمارة المزعجة للسعودية، وتم التخلص من رأس النظام القطري السابق الذي كان يمثله رئيس وزراء ووزير خارجية قطر السابق، الذي لم يكن يخفي دعمه لـ "الإخوان المسلمين"، ويقدمهم للغرب كشريك براغماتي، وذلك في أفق دعمهم لطموحه في تولي الإمارة الغنية بالغاز والبترول. وليس غريبا أن يتوارى الرجل فجأة عن الأنظار منذ تنفيذ "الانقلاب الأبيض" داخل بيت الأسرة والذي يقال إنه تلقى خبره وهو في عرض البحر على ظهر يخته، ومنذ ذلك التاريخ لم يعد إلى الإمارة ولم يظهر في حفل مبايعة الأمير الجديد تميم بن حمد، ومع ذلك فهو مازال يعتبر المتحكم في "الصندوق" الإعلامي للإمارة (قناة الجزيرة) التي بقيت موالية لـ "الإخوان المسلمين" في مصر في تناقض واضح مع المواقف التي تعبر عنها الخارجية القطرية الجديدة التي باركت "انقلاب" العسكر على الرئيس المدني محمد مرسي "الإخواني".
هناك من سيقول إن هذه الأوضاع كانت قائمة قبل سنتين، فما الذي أخر تحرك النظام السعودي لاحتواء الأوضاع في المنطقة لصالحه والخروج عن "تريثه" الدبلوماسي التقليدي للدفاع عن مصالحه وطموحاته بدون مواربة ؟
ثمة أكثر من مستجد دفع السعوديين إلى الخروج عن تحفظهم، ولعل أهم سبب هو انتخاب شخصية براغماتية على رأس النظام الإيراني لا تخفى سعيها إلى تطبيع علاقاتها مع الغرب مما قد يخفف الضغط الغربي على طموحات إيران التي يتوجس منها النظام السعودي، وجاء إعلان "حزب الله" الذي لا يخفي ولاءه لإيران في الحرب السورية ليزيد من مخاوف السعوديين من خطر اتساع حلقة "الهلال الشيعي". الحدث الآخر الذي أخرج النظام السعودي عن تحفظه تمثل في تمكن الأحزاب المنتمية إلى جماعة "الإخوان المسلمين" من الوصول للسلطة في بلدانها بطرق ديمقراطية في تونس ومصر، أمام هزيمة التيارات السلفية التي تدعمها السعودية. لكن، تبقى التحولات الكبيرة التي يشهدها النظام السعودي من الداخل ذات تأثير كبير على تصرفه الأخير. فقد وصل هذا النظام إلى نهاية دورته الأولى، المتمثلة في تداول السلطة بين أبناء عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة، حيث يعتبر الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد الحالي آخر أبناء الملك المؤسس الذين كانت تؤول إليهم الولاية والملك بطريقة تدريجية حسب السن. وخلف هؤلاء الأبناء الملوك والأمراء يوجد جيش من الأمراء أصحاب المطامح الكبيرة في تولي الملك في غياب أية آلية تنظم انتقاله بعد وفاة آخر أبناء الملك المؤسس. ومن بين هؤلاء الأمراء الطامحين يبرز بقوة اسم بندر ابن سلطان، رئيس المخابرات السعودية، الذي يعتبر اليوم أقوى رجل في السعودية بعد خالد التويجري، رئيس ديوان الملك الحالي المريض، وبما أن التويجري ليس من سلالة الأسرة المالكة فإن نفوذه سينتهي بنهاية سيده، فيما لا حدود لطموحات رئيس المخابرات الذي يستعمل اليوم علاقاته الواسعة مع أجهزة مخابرات غربية وعربية، وقد ظهر هذا جليا في سعيه لتوجيه الأزمة السورية نحو المسار المأساوي الذي تمر به، لدرجة أن صحفا أمريكية مشهود لها برزانتها ومصداقيتها كتبت أن هذا الأمير هو الذي يضغط على الإدارة الأمريكية مستغلا النفوذ السعودي وضعف سلطة الملك المريض، لجر أمريكا إلى حرب جديدة في سوريا، تماما كما فعل عندما استغل مرض الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، في مطلع تسعينات القرن الماضي، لإقناعه بـ "كذبة" أسلحة الدمار الشامل التي ابتدعها المحافظون الجدد في أمريكا، لفتح أرض الحجاز أمام قوات المارينز الأمريكية في طريق غزوها للعراق.
إن ما يفرض هذا الدور المتعاظم للسعودية اليوم هو وضعها كأول منتج ومصدر للنفط في العالم، إلا أن ما يقوي نفوذها هو كونها تعتبر بعد إسرائيل، أهم حليف لأمريكا بالمنطقة رغم أن واشنطن والرياض لا تشتركان في القيم وإنما في المصالح الإستراتيجية.
طيلة العقود الماضية سعت أمريكا إلى أن تجد توازنا بين تأمين إمداداتها من النفط من الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت الحفاظ على استقرار منطقة تعيش في دوامة عنف غير منتهية.
هذه المعادلة الصعبة كان يمكن حلها بدعم قيام أنظمة ديمقراطية، لكن هذا بالضبط ما لا تريده حليفتها الأسرة الملكية الحاكمة في السعودية التي تنفق المليارات من أجل إفشال كل محاولة لقيام أنظمة ديمقراطية. فعلت ذلك في لبنان منذ عقود وتفعل ذلك اليوم في مصر، وتونس واليمن والبحرين وتدعم أنظمة سلطوية في الأردن والمغرب لتشجيعهما على قطع الطريق على كل محاولة لدمقرطة بلديهما.
وحتى عندما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية "تصدير" نمط الحكم الديمقراطي، حتى لا نقول "الديمقراطية"، إلى بلد مثل العراق سعت السعودية من خلال دعمها لجماعات عنيفة إلى المساهمة في إشعال حرب أهلية بين الشيعة والسنة الذين لا يخفى النظام السعودي دعمه لهم.
فالسعودية كمصدر لإيديولوجيات دينية، يسميها البعض "الإسلام النفطي"، تغذي الجماعات المتطرفة في العالم الإسلامي، تدعم بشكل غير مباشر هذه الجماعات، وتتغاضى عن جمع الأموال التي تصلها من السعودية، وتغض الطرف عن التحاق مئات المقاتلين السعوديين بصفوف القاعدة في العراق وسوريا واليمن، وقبل ذلك في أفغانستان والشيشان.
فالنظام السعودي يطرح نفسه كحليف لأمريكا فقط عندما يتعلق الأمر بمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، ويتحول إلى خصم لها عندما أبدت السعودية مخاوف واضحة من تجارب ديمقراطية فتية كما حصل مؤخرا في مصر، وقبلها في العراق وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة. فالتحالف الأمريكي السعودي يقوم على التهديدات المشتركة التي تواجههما وليس على القيم التي لا يتقاسمانها.
فلو لم يكن النظام السعودي حليفا لأمريكا، ما كان له أن يعترض بالدبابات ليقف ضد انتفاضة الشعب البحريني، ويتدخل ماليا للتأثير على الديمقراطة الناشئة في تونس، ويساند ماديا ومعنويا تعطيل المسار الديمقراطي في مصر، ويدعم ماليا النظام في المغرب للنكوص عن وعوده الإصلاحية. لقد رأينا كيف تناسى النظام السعودي خلافه التاريخي مع النظام الملكي الهاشمي في الأردن، وسانده ماديا إبان فترة الربيع العربي، كما تدخل ماليا أيضا لاستمرار النظام اليمني الذي لا ينسى آل سعود أنه وقف ضدهم مع صدام حسين، لكن مملكة آل سعود أحست بالخطر الذي قد يداهمها من خصرها فتدخلت لإنقاذ نظام الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي كان يترنح. فهل كانت أمريكا ستسمح أو على الأقل ستتغاضى على مثل هذه "التدخلات" لو جاءت من النظام الإيراني؟
هنا تكمن المفارقة. فالتحالف السعودي الأمريكي هو الذي يمنح السعوديين الضوء الأخضر للتدخل في العديد من دول المنطقة.
المفارقة أيضا تكمن في كون النظام السعودي يعتبر أكبر حليف للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وفي نفس الوقت أكبر معارض للإصلاحات الديمقراطية، فإلى متى ستواصل أمريكا الاعتماد على النظام السعودي للحفاظ على استقرار أنظمة المنطقة، في الوقت الذي يدعم فيه هذا النظام بروز أنظمة قمعية ستؤدي إلى سفك مزيد من دماء شعوبها وتهدد استقرار دولها؟
---
إن المراهنة على نظام أسري مثل النظام السعودي سيكون حتما ضد الشعوب وربما ضد مصالح أمريكا نفسها، والأخطر من ذلك فهذا النظام بدعمه لجماعات دينية راديكالية يقوض كل امكانية لولادة الديمقراطية في المنطقة.
لذلك يجب المراهنة على ارتفاع منسوب النضج السياسي للشعب في الخليج، وخاصة الشباب، وتراجع احتياجات أمريكا لنفط المنطقة التي توفر الآن 8 في المائة من احتياجات أمريكا لهذه المادة الحيوية، وهذه ستكون من بين العوامل المحددة كي تعيد أمريكا النظر في علاقاتها مع النظام السعودي الذي قد يصبح التحالف معه مكلفا مع مرور الوقت، لأن المنابع الإيديولوجية والمادية للجماعات التكفيرية توجد في السعودية، وهذا الزواج الكاثوليكي ما بين النظام السعودي والإيديولوجية الوهابية بات يشكل أكبر عائق للتقدم الديمقراطي في المنطقة، وقد يشكل أكبر تهديد للاستقرار، ليس في المنطقة غير المستقرة أصلا، وإنما في العالم. فمن رحم هذا الزواج خرج إبن غير شرعي اسمه "تنظيم القاعدةّ" الذي مازال يتناسل بحرية وخارج إطار أية شرعية مخلفا أبناء غير شرعيين في العراق واليمن وشمال افريقيا والصومال وسوريا ومنطقة الساحل الإفريقية، ولا شيء يمنع من أن يخرج من رحمه غدا الوحش الذي يصعب التحكم فيه.
بالنسب للشعوب العربية وقواها الديمقراطية، لا يجب أن تراهن كثيرا على أمريكا والغرب، فهما معا سيكسبان القليل إذا نجحت الثورات العربية، ولكنهما سيخسران الكثير إذا ما امتدت رياح هذه الثورات إلى الأنظمة المحمية من طرفها وعلى الخصوص الأنظمة النفطية في الخليج.
لقد كان الاعتقاد سائدا بأن أي تغيير يمس مصر يمكن أن يؤثر في دول المنطقة بحكم ثقلها الإستراتيجي وكثافتها السكانية وقوة تأثيرها الثقافي، لكن ما اتضح اليوم هو أن أي تغيير حقيقي في المنطقة يجب أن يبدأ من شبه الجزيرة العربية، ليس لأنها مهد الرسالة الإسلامية، وإنما لوجود أنظمة أسرية متحالفة فيما بينها تتربع على أكبر ثروة في العالم، لا تريد أن يحدث أي تغيير يمس مصالحها.
علي أنوزلا

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014