ما الذي تعنيه الذكورة والأنوثة؟
متى نقول عن شخص ما سواء كان ذكر أم أنثى انه أكثر ذكورة أو أكثر أنثوية؟
و ما المرجعية في ذلك؟ هل هو الأدب
أم الخيال الشعبي أم تعاير الحياة اليومية؟
ما الذي يمكن أن تعنيه هذه الكلمات
للأغلبية الناطقة بالعربية؟
للأسف لا يوجد حسب علمي دراسات
لغوية-نفسية في اللغة العربية أو اللغات المنتشرة في منطقة الهلال الخصيب تحدد
تماما هذه المعاني, لكن الدراسات الحضارية و الأدبية الغربية ذات القرب في هذا
المجال تدل أن الاستعمال الشائع لهذه الكلمات يكاد يكون على النحو التالي:
الذكورة هي العنف و القوة و الجرأة
و السيادة
الأنوثة هي الحنان و المنزل و
الضعف
الذكورة عقل...... الأنوثة عاطفة
الذكورة شهوة جنسية و تعدد علاقات.
الأنوثة حب و إخلاص
و هذا تقريبا هو المتعارف عليه في الأدب
العربي بشكل عام... فالكاتبة اللبنانية هدى بركات تناولت في روايتها (حجر الضحك)
هذا الجانب, و رأت إن سبب الحرب الأهلية في لبنان هو طغيان الجانب ألذكوري... فبطل
الرواية خليل ذو التوجه الأنثوي ,كان بعيدا عن الحرب و صراعاتها و مشغول بالحب و
التنسيق و الأناقة و هي جوانب أنثوية, و كل الدراسات النقدية لهذه الرواية – و هي
كثيرة- ركزت على هذا الفهم التقليدي لمفاهيم الذكورة و الأنوثة.
و إن كانت هذه هي النظرة العربية و
حتى الأوربية الغربية بشكل عام إلى معاني الذكورة و الأنوثة, لكن لا يمكن أن نعتبر
هذه السمة أصيلة أو فطرية....أي ليست عامة و شاملة لكل الجنس البشري..و هذا ما
ذهبت إليه عالمة الانتروبولجية الشهيرة مارغريت ميد و التي قامت بدراسة في عام
1935 تناولت فيها مفاهيم الذكورة و الأنوثة في ثلاث ثقافات مختلفة,
الأولى تقع في غينيا الجديدة و هي
مجموعات الاربيا..و فيها تتساوى مفاهيم الذكورة و الأنوثة و يجمع الجنسين نفس
التصرفات و نفس الأدوار, و كلاهما يركزان على الحب و العاطفة و رعاية الأطفال
والعمل معا من اجل العائلة....ففي هذه الثقافة لا يوجد عنف أو سيطرة احد الجنسين
على الأخر.... أي أن كلا الجنسين يتمتعان بصفات أنثوية حسب السائد في الثقافة
العربية
و على النقيض من ذلك فان شعب
الموندوغامور يتميز بالعنف و الخشونة في كلا الجنسين....و كلاهما يحاول الابتعاد
عن تربية الأطفال و رعاية المنزل
أي أن كلا الجنسين يتمتعان بصفات ذكرية
حسب المفاهيم السائدة في منطقتنا
إما شعب التشامبولي فهو على عكس
الثقافة العربية...يتميز بأن الذكور يميلون إلى العاطفة و يعملون بالمهن الثانوية
في المجتمع بينما الرئاسة و الزعامة و أعمال الحقل و الصيد من نصيب الإناث.
إذن هناك مفاهيم مختلفة بين الشعوب
حول تحديد سمات الذكورة و الأنوثة.
أما تاريخيا فلم تكن المجتمعات
العربية و لا مجتمعات الهلال الخصيب تعرف هذا التمييز الواضح و المتطرف لتلك
المصطلحات كما تعرفها حاليا مجتمعاتنا التقليدية
فالأنثى كانت لديها مكانتها
الاجتماعية و لها حضورها السياسي و العنيف أحيانا.....فهند بنت أبي سفيان لعبت
دورا كبيرا في الحض على معركة أحد , و خولة بنت الازور كانت فارسا و مقاتلا....أيضا
عائشة بنت أبي بكر شاركت بشكل فعال في الحرب بين معاوية و علي بن أبي طالب بغض
النظر عن صوابية هذه المشاركة من عدمها....
و الأنثى أيضا كانت مزواجة و لا
تخجل من الاعتراف برغباتها الجنسية بكل وضوح و بساطة...فمعظم الصحابيات هن من
المربعات و المخمسات أي اللاتي تزوجن أربع أو خمس مرات, وكثيرا ما يتم الزواج بناء
على طلب الأنثى,و لم يكن هذا ليخدش انتويتها أو ذكورة الرجل,
فما يميز مفاهيم الذكورة و الأنوثة
انتروبولوجيا هو الاختلاف الكبير بين هذه المفاهيم عبر الشعوب و الثقافات
و ما يميزها تاريخيا هو أيضا
الاختلاف الكبير في النظرة عبر العصور
فما يعتبر ذكورة هنا ربما يعتبر أنثوية
هناك
و ما يعتبر قلة أنثوية في الوقت
الحاضر....ربما كان يعد امرأ عاديا في وقت سابق و ربما سيعد كذلك في وقت لاحق
و كلا المفهومين ليسا فطريين و إنما
هما مكتسبان يتم غرسهما في نفس الطفل عبر التربية و القيم التي يتم تلقينه إياها
في سنواته الأولى
و هي قيم قابلة للتغيير و التعديل
في أي وقت من أوقات العمر...و إن كانت تخضع كبقية المفاهيم إلى التصلب مع التقدم
في العمر ,
و ما يميز مفاهيم منطقتنا حول هذه
القيم هي الظلم الكبير لكلا الجنسين و خاصة الأنثى في تحديد شروط الهوية الجنسانية .
فالأنثى لا رغبة جنسية لديها و لا
رغبات عاطفية....يجب أن تطيع الذكر و تجلس في البيت و تأخذ إذنه في الخروج و
العمل, و لا يجوز أن تكون المبادرة في العلاقة العاطفية و إلا اعتبر ذلك قلة أنوثة
من جانبها و(خدش) لذكورة الطرف الآخر....و حتى جواز السفر لا يسمح (قانونيا) لها
باستخراجه إلا بموافقة الزوج,
و أي رجل يتخلى عن هذه المكانة
يعتبر (ناقص الذكورة) وما يستتبع ذلك من عار اجتماعي عليه و قلة احترام له حتى من
جانب شريكته الأنثى,
إن مفاهيم الذكورة والأنوثة بحاجة لإجراء
تغيير إسعافي داخل عقولنا للوصول إلى حد أنساني مقبول لكلا التعريفين يسمح لكل
الميول و لكلا الجنسين في العيش بسلام بعيد عن ضغط هذين المفهومين,
و هذا لا يعتبر تغيير بسنن الكون
كما يحاول إن يدعي البعض.... فالتاريخ و الانتربولوجيا شاهدان على انه لا سنن
كونية ثابتة تحدد هذين المفهومين وإنما نحن الذين نصنعهم و نغرسهم في الجيل القادم
و نحن قادرين تماما على هذا التغيير الذي حان أوانه .
احمد عسيلي