حضرت أشغال " قمة جنيف لحقوق الإنسان والديمقراطية " المنظمة من طرف الأمم المتحدة . كنت ذاهبة بالأخص لأستمع لبعض أصدقائي الناشطين
وهم يتكلمون هنالك . مثل الناشطة السورية "رندا كاسيس" ، المدون المغربي
"قاسم الغزالي" ، أو الناشطة النسائية والحقوقية الإيرانية "مارينا
نيعمة" ، وآخرين كذلك . الخطاب والموضوع لا يمكن أن ينمحي من ذاكرتي . مرة
تلو الأخرى ظلت الشريعة موضوع نقاش الناشطين في القمة . أعتقد أني أخبرتكم قبلا
بأني درست "الدراسات الإسلامية" ، و الآن أنا أكتب عن القانون
الإسلامي . الموضوع معقد لدرجة يصعب معه معالجته ، لكني أعتقد بأننا نستطيع الإمساك
ببعض الحقائق وتوضيح بعض الأفكار عنها .
القانون الإسلامي ( الشريعة ) هو قانون الدولة – بعد
الربيع العربي لم يعد مستحبا مناقشة هذا الأمر ، خاصة مع صعود الأحزاب الإسلامية
في كل العالم الإسلامي . نقصد بالعالم الإسلامي الدول ذات الأغلبية المسلمة – سواء
باعتبار الشريعة مصدرا للتشريع أو قانونا للبلد . ما المشكلة مع هذا الآن ؟
الناشط الموريتاني "عبدين مرزوغ" المعارض للرق
في موريتانيا على سبيل المثال ، تحدث على سبيل المثال عن الرق في بلده . نعم ، حتى أيامنا هذه توجد
العبودية في هذا العالم . وشرعيتها مستندة من القانون الإسلامي للدولة في
موريتانيا . استنادا إلى القانون الإسلامي فالعبيد ملك لسيدهم إلى الأبد والإيماء طبقا لذات القانون يسخرن أجسادهن
للأسياد في أي وقت . قد يقول قائل من مساندي الشريعة هنا وهناك ، وإن يكن ، نحن لا
نقوم بذلك عندنا ، وليس هذا مقبولا . لكن هذا لا يمنع من أنها حقيقة في القانون
الإسلامي ولازالت تمارس حتى اليوم .
المناضلة النسائية والناشطة الحقوقية الإيرانية مارينا
نعمة كانت قد تحدثت عن تجربتها الشخصية ، حين تم سجنها في سن 16 مع مئات غيرها من
الشابات . تم اضطهادهن ، تحرشات جنسية وأحيانا نالت اغتصابات منهن قبل أن تنفد فيهن العقوبة . ( حتى لا يمتن
وهن عذراوات – في المعتقد الديني فهذا قد يكون كافيا لإدخالهن للجنة مباشرة ) .
مرة أخرى كثيرون سيحسون بأن هذا ليس واقعهم ، وإيران ليست مشكلتهم وأنها مثال عن
التمادي في التطرف . لكن "نعمة" سألت في آخر كلامها ، إن كنا فعلا نصدق
أن هناك بلاد مؤسسة على القانون الإسلامي قادرة على منح المرأة نصف الإرث وإمتاع
شهادتها بنفس القيمة المعطاة لشهادة الشاهد الرجل ، هل ستصل هذه البلدان يوما ما
إلى المساواة بين الجنسين ؟ أنا أتابع
الحركة النسائية الإسلامية كذلك ، ولي علم بمحاولاتهن لإعادة قراءة نصوص القرآن ،
من مثل العنف المنزلي ، العقوبات البدنية ، وغيرها من النصوص الإشكالية في القانون
التقليدي – لكن لا يبدو أنه يمكن تجاوز بعض أشكال اللامساواة من دون تجاهل القانون
الديني .
المدون الملحد المغربي قاسم الغزالي حكى قصته كعلماني في
بلد اسلامي . الشريعة لا تعرف الحرية الدينية أو المساواة . تحمي أهل الكتاب (
اليهود والنصارى ) دون أن يعني ذلك التساوي في المواطنة . الديانات الأخرى غير
مقبولة بالمطلق . الردة في الإسلام أمر ممنوع – إذا وبمجرد أن تصير مسلما فانك لا
تستطيع أن تتحول منه إلى دين آخر أو أن تختار أن لا يكون لك دين . والقانون
التقليدي يمنح للمرتد الحق في العدول عن هذا الأمر وإلا فإن العقوبة المقررة عليه
هي الموت ( قطع الرأس) . اليوم لازالت عقوبة الموت في حق المرتد أو الملحد سارية
في بعض البلدان كأفغانستان ، إيران ، موريتانيا ، السعودية ، الصومال والسودان .في
دول إسلامية أخرى يحكم على المرتد بالسجن والغرامة ( هنا بعض الحالات المرصودة
مؤخرا : رئيف بدوي في السعودية ، البير صابر في مصر ، طوني مارك في الامارات ،
وليد الحسيني في فلسطين ، غازي بجي و جبور مجري من تونس ، حمزة كسكاري من السعودية
، كريم أمير في مصر والحالة الأخيرة ل بن باز في الكويت –نرجو التوقيع على العريضة
لمساندتهم :
وشاهدوا هذا الفيديو :
قوانين تمنع تغيير الدين ، وهو ما يخالف ما جاءت به
الفقرة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : " لكل شخص
الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو
عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء
أكان ذلك سراً أم مع الجماعة. " ، هذا ما دفع بعض
الدول إلى محاولة تجاوز هذا الصراع الدائر بين قوانينهم ومنضمات حقوق الإنسان
بتثبيت صفة مريض نفسي على المرتد وذلك لإيجاد مخرج يسمح بإطلاق سراحه ، مانحين
إياهم بشكل غير رسمي إمكانية الهروب من البلد أو أي حل آخر من هذا النوع . وبعض الدول لا تأبه أساسا
بالرأي العالمي .
يعد التسامح الديني إشكالية في الشريعة ، حيث إضافة لما
سبق لا يسمح للمسلم بالزواج من لادينية أو من معتنقة لدين آخر غير الديانات
الكتابية ، والمرأة المسلمة لا يمكنها الزواج إلا من المسلم . أعني ، هذا اختيار
شخصي للمتدين في أن يختار شريكه كما يشاء وللأسباب التي تسعده ، لكن أين المواطن
اللاديني من المعادلة ؟ أو أولائك الذين يحبون البودية ؟ ببساطة لا يمكن إذا قبول
زواج هذا أو تلك من غير الكتابيين ؟ ماذا عن حق المثليين جنسيا ؟ لا يبدو هذا كذلك
على ما يرام . وقد كتبت أنفا عن هذا الأمر
( لقراءة النص إليكم الرابط : http://www.facebook.com/photo.php?fbid=333822510070538&set=a.304862479633208.73221.304861489633307&type=1&theater
هذه بعض النقاط فقط من المسألة كلها . كثيرون من المسلمين
المعاصرين العلمانيين يحاولون جاهدين إيجاد توافق بين الشريعة وحقوق الإنسان ،
وتعديل ما يبدو فقرات إشكالية في القانون الإسلامي . بعضهم يساندون فكرة الدولة
العلمانية ولهذا يتم تكميم أفواههم – كما حصل في هذا الأسبوع مع اللبرالي المسلم
العلماني ، العراقي أحمد قبانجي ، إذ تم اعتقاله من عناصر الاستخبارات الإيرانية وأخذ
إلى مكان مجهول .
لا يمكن بالنظر إلى الأمثلة التي أوردناها أعلاه أن نقول بأنه
لا يوجد أي إشكال بين القانون الإسلامي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان . أنوه
بالمسلم المعاصر الذي يرفض العبودية كما يرفض عقوبة الإعدام ، لكن الإشكال المتبقي
هو أنه مادامت الدولة تبقي على القانون الإسلامي كقانون للدولة فلا ضمانات على حق
الإنسان في المساواة - ومن سيختار أي شق
من الشريعة يبقى قانونا للدولة وأي شق لا ؟ من المضحك أن لا أحد ينادي بقانون
الشريعة الجنائي ، إذ حتى أغلب الإسلاميين لاحظوا أن العقوبات لا تليق بالوقت
الحاضر ، لكن لازالوا يدعون بقواعد الشريعة كلما تعلق الأمر بقانون الأسرة وبحقوق
المرأة .
أنا لا أقول بأن التدين أمر سيئ . لكن أشير إلى أن الدين يجب أن يكون قرارا شخصيا يعود لكل
واحد أمر اتخاده ، وأن الدين يجب أن يبقى بعيدا عن السياسة . بالنسبة لي أعتقد
بأنه أمر متناقض وغير منطقي أن أعتمد القانون الديني قانونا للدولة إذا كنت في كل
الأحوال بالحاجة للتغيير. إذا
لماذا لا نبقي القرارات الدينية في فضاءات خاصة ونطبق القانون العلماني ؟ أعتقد أن
أي شخص يتوافق مع الأسرة الدولية لحقوق الإنسان لا بد أن يساند الدولة العلمانية
أو أن يقبل بأن القوانين المعمول بها في البلدان الإسلامية في هذه الأيام متناقضة
تماما مع حق الاختيار ، الحرية الدينية ، حرية التعبير . لا يجدر بأحد أن يخاف على
حياته بسبب معتقده أو رأيه أو أن يعاقب بسبب تصرفاته المثلية .
ليست لي أيه مشكلة مع الدين ، مادام لا يحرم أحدا من
حرية الاختيار ومن الحقوق . لضمان هذه الحقوق والمساواة لكل المواطنين ، فلابد من
دستور علماني .
ترجمة عصام بقسيم
عن