ينشغل السعوديون اليوم بإثبات أمرين، الأول هو قدرات المرأة العقلية الناقصة عن
قدرة الرجل، والأمر الثاني هو امتلاك الجن لحسابٍ على موقع التواصل الاجتماعي
تويتر.
في كل أنحاء العالم يختلف العلم مع الدين، إلا في السعودية، فإن العلم والدراسات
والأبحاث تسخّر لخدمة رأي السلطة الدينية. يتكرر الأمر كما لو أنّه ظاهرة. أيّ رأي
يصدر، يُلحق أو يُسبق بدراسة علمية محلية أو أجنبية تؤكد الحكمة في منع قيادة
السيارات، والترّشح للانتخابات، وعدم التشجيع على العمل في المتاجر الكبرى.
عندما أرادت المرأة أن تقود سيارتها بنفسها في شوارع السعودية بدلًا عن سائقٍ
يرافقها، قامت الدنيا ولم تقعد عليها، اعتبر المشايخ أنّ مثل هذا الطلب يُفقد
المرأة عذريتها ويُدخلها في خانة ممارسة الفاحشة التّي قد يخلّصها منها رجلٌ
أجنبيٌ يقود سيارتها طوال اليوم.
المفسدة التي طالبت بها بعض النساء السعوديات جاء ردّها في دراسةٍ أجنبية أجرتها
دولة بريطانيا العظمى: النساء السعوديات هن الأكثر دلالًا على كوكب الأرض! لماذا؟
لأنّهن غير مسؤولاتٍ عن نفقة ولا عمل، ويقود بهن سائق سياراتهن ليوصلهن إلى المكان
الذي يردن. الدراسة العلمية تلك جاءت لتدعم مزاعم السلطة الدينية بعدم الحاجة إلى
قيادة السيارة، تلك القيادة التي ستنقل النساء من كونهن ملكات، إلى شيءٍ آخر
يخافونه.
تكرر الأمر ثانيةً عندما سمحت وزارة العمل للسعوديات بالتوظّف في المحال التجارية
وعلى صناديق الشراء. كالعادة لم تقبل السلطة الدينية بهذا الأمر الذي يعرّض النساء
للاختلاط. نزلوا بمظاهرةٍ احتجاجية علّهم يقنعون الوزارة بالعدول عن هذا القرار،
لكن الوزارة ظلت مصرة على رأيها في تمكين النساء من العمل، ومنحت الشركات التّي
توظفهنّ أربع نقاط على جدول السعودة الخاص بها.
انتقل الأمر عندها إلى الدراسات العلمية، التي صدرت عن جامعاتٍ تخرّج جيلا واعيا
مرافقا لتطورات العصر. الدراسة التي أجازتها الجامعة والتي حملت عنوان «الاتجار
بالبشر صوره، وأحكامه، وتطبيقاته القضائية»، توصّلت إلى أن عمل النساء هو نوع من
الاستغلال (اتجار بالبشر؟) فهو حرام شرعاً. هكذا كانت نتيجة الدراسة، عمل المرأة
ذل ومهانة. نسي الباحث أن تسعينياً تزوج في الأسبوع نفسه من قاصر ولم يثر فيه
الأمر أيّ نوعٍ من الشعور بالمهانة.
ثم جاءت دراسة فرنسية ترجمتها دكتورة سعودية تقول بأن مليونين ونصف مليون فرنسية
سئمن المساواة ويتمنين الزواج برجل عربي، وبأنهن يحسدن السعوديات على حياتهن
الخالية من الالتزامات.
هذه الدراسة جعلت من المطالبة بأي حق نوعا من الترف، وأطاحت بالفرحة التي أظهرتها
النساء بتعيين ممثلات لهن في مجلس الشورى، لكن ضمن ضوابط الفصل الإسلامية.
الفرنسيات المستنطقات (مليونين ونصف. من أين جاء الرقم، هل قامت الدولة الفرنسية
باستفتاء؟) ربّما فكّرن بالراحة بالمنزل، وبأنّ أحداً ما يقود عن السعودية
سيارتها... لو صحت الدراسة، ولو انطلاقاً من عينة صغيرة نفخت لتصبح مليونين ونصف
مليون (!) فهي مزورة، لأنها لم تقل للفرنسيات أن آلاف النساء السعوديات معطّلات
دون إذن بالخروج، أو واقعات تحت سيطرة الزوج أو الأب الذي يحقّ له أن يأخذ ما يشاء
من أموالهن، أو معنفات مطلقات متروكات دون نفقةٍ أو بيت. . بل في تلك الدراسة
المزعومة اعتداء على الفرنسيات انفسهن اللواتي قاتلت امهاتهن وجداتهن للحصول على
حقوق متساوية.
ليتبع دراسة «حسد الفرنسيات» تلك دعوة أطلقها رجل دين وكاتب معروفٌ في الأوساط
السعودية من على موقعه على تويتر، للتحرش بـ«الكاشيرات»، أي الفتيات على صناديق
المحاسبة.
هذه الدعوة التي أثارت سخط عالم التويتر السعودي، ربّما تكون لاقت آذانًا صاغية،
لكنّ الأكيد أن الرجل لم يحاسب على فعلته بالمجاهرة بالتحرش ولا حتى قدّم أيّ
اعتذار. وقد استند في هذه الدعوة على حادثةٍ وقعت قبل ألف عام بين رجلٍ وزوجته،
التّي كانت تصر على الصلاة في المسجد وهو يريد منعها من ذلك، فتنكّر وقام
بمعاكستها وهي في الطريق إلى الصلاة، فعادت ولم تخرج من المنزل بعدها.
نسي الرجل أنّ من يخرج للعمل في المحلات يخرج طالبا رزقا لإعالة عائلة أو نفْس،
وأنّ هناك في السعودية أكثر من 500 ألف امرأة معيلة لعائلتها وتسعى وراء عملٍ لائق
يلبّي احتياجاتها. لم يقف الامر عند هذا الحد.
أتت دراسة علمية صدرت حديثًا عن جامعة أمّ القرى تؤكّد بما لا يشوبه الشك، بأنّ
قدرات المرأة العقلية لا تكون بطبيعتها في كامل أيام الشهر نظرا لارتفاع هرمون
البروجسترون نتيجة الدورة الشهرية، ما يعيقها عن أداء وظائفها التفكيرية، وقد نصح
الباحثان النساء بعدم اتّخاذ قرارات مصيرية في هذه المدّة التي تصل إلى ثلاثة عشر
يوما من كلّ شهر. انتهى!
* كاتب من السعودية