ورقة حول تجربة محمد عابد الجابري في التأليف المدرسي



لقد أصدر المرحوم محمد عابد الجابري رفقة أحمد السطاتي ومصطفى العمري سنة 1966 كتاب "دروس في الفلسفة" الذي شكل مدخلا هاما في التعرف على الفكر الفلسفي أكثر، والعلوم الإنسانية التي كانت في طريق فرض ذاتها في الفكر المغربي الحديث. إرتباط الجابري بالمؤسسة التربوية جعله يعيش صعوبات التعلم في الفلسفة، وهذا ما دفعه للتأليف في هذا المجال، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فرض التأليف نفسه في سياق المتغيرات السياسية بعد الإستقلال، خصوصا الحديث حول أهمية التحديث وسؤال النهضة.
لعل ما يلاحظ في كتاب "دروس في الفلسفة" للباكالوريا، هو تركيزه على التعريف بتاريخ الفلسفة والمدارس التي عالجت مختلف القضايا الفلسفية، فضلا عن الإتجاهات الفكرية سواء في الفلسفة أو العلوم الإنسانية.
المثير في هذا الكتاب هو ذلك الإنفصال في التدوين بين العلوم الإنسانية( علم الإجتماع،علم النفس..)، والفلسفة، بحيث حرص المؤلفون على التسلسل في تاريخ الفلسفة منذ بدايته، لكن مع ظهور العلوم الدقيقة والإنسانية في العصر الحديث ظهر هناك نوع من الإرتباك في هذا التسلسل يمكن تبريره بتخصصات وميولات المؤلفين في هذا المجال.
إن التدريس في الفلسفة أثناء لحظة إنطلاقه في نهاية الخمسينات مع "محمد عزيز الحبابي"، حاول تأسيس قاعدة نظرية بموجبها يتم رسم مسار تعليم الفلسفة، وبالتالي الحكم على تجربة الرعيل الأول بالفشل هو "إسقاط تاريخي" لأحكام مجحفة في حق هذه التجربة.
إن تجربة الجابري كان هدفها بالأساس هو التعرف على المناهج الحديثة في التدريس الفلسفي، وهذا لا يتم إلا من خلال التعرف على تاريخ الفلسفة، يحدث هذا كله في مجتمع حديث التكوين   (لحظة ما بعد الإستقلال) لا زال يقاوم التقليد ويسعى نحو التحديث.
يظهر الإتصال بين المقررات التي وضعها الجابري ودروس الفلسفة الموجود اليوم، في توفيره للمادة المعرفية بالرغم من تغيير المنهج في مقاربة الدرس الفلسفي من تدريس تاريخ الفلسفة والإتجاهات الفكرية التي عرفها إلى التدريس ب"برنامج مفاهيم".
إذن فليس هناك تغير كبير في تعليم الفلسفة إلا فيما يخص الفكر الإسلامي والمعطيات التاريخية والسياسية معروفة حينما تم حظر تدريس الفلسفة في الثمانينات من القرن الماضي. 
إن التدريس ب"برنامج مفاهيم" قد إحتوى تاريخ الفلسفة، وخلق جهلا بهذا التاريخ، والتسلسل الذي يحكمه.
كانت هذه بعض التأملات في تجربة الجابري في الـتأليف المدرسي، ونحن نستحضر ذكراه هذه الأيام، وهي إعتراف بالجهد الجليل الذي قدمه للمدرسة المغربية في سبيل ترسيخ الثقافة الفلسفية بالمغرب.

بقلم : ذ مولود البيكم 

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014