الكلب .. قد شغله عني الألم

بقلم عصام بقسيم
كنت قد ابتعدت قليلا عن مقر عملي مساء أمس حينما سمعت أنينا عميقا و قاسيا .. نظرت يمينا و شمالا و لم أرى مصدرا لهذا الصوت المتقطع ألما . استأنفت خطوي المتعب بعد يوم حافل بالإجهاد و ما كدت أقطع مسافة قليلة حتى عاود الصوت ظهروه ، صوت آدمي تتمزق ذاته و لا دواء يوقف الألم .. 


كنت على الجانب الأيمن من الشارع الكبير لهذه المدينة الصغيرة حين لاح لعيني هذا الجريح المستلقي وسط الطريق .. يحاول الكلب أن يجر بقائمتيه الأماميتين بقية جسد أهلكته لا شك إصابة عربة مرت من هنا، كلما جر نصفه الخلفي كلما تعال الألم في صوته. نظرت إليه في عجز ، تم نظرت إلى بقية المخلوقات المتراصة في جنبات الطريق غير آبهة بهذا الكائن و ما يقاسي ، فقط قهقهة مجموعة فتيات على الجانب الآخر حينما لم يحمل صوت الألم إلى آذانهن غير نكتة غرابة صوت الكلب .. أما هو فكان يتقطع .. أما أنا فكنت غير كائن .
قبل سنوات ، حينما كنت طالبا في أكادير ، كانت لي عادة جلب الخبز من الفن الشعبي بحي قطنته خلال دراستي هناك . أتذكر كلمات الفتاة الصغيرة التي جلبت في ذاك الصباح كلبها الصغير إلى الفرن .. نهرها أحدهم على إدخالها كلبها الجميل حيث يطبخ الخبز ، فأجابته صارخة في وجهه " هذا الكلب أشرف من كثير من البشر .." حينها استغربت ما قالته و احتقرت كلامها خاصة و أنها تقابل الكلب في المقارنة مع البشر وهم " خير المخلوقات ؟؟ ! " ..
عدت هذا الصباح إلى عملي، لم أره في الطريق و لم أسمع أنينه .. كان ظني أن أحدهم أنقده و تطوع يداويه ، مال أغلب ظني إلى أنه مات وهو خير له من حياة بين خير المخلوقات . دلف مدير العمل إلى مكتبه و أخبرني عن كلب مسكين ألفاه تحت جدار المصبنة المجاورة، يقطع صوته قلب الإنسان " إن وجد الإنسان " .. طلب مني أن أرافقه إلى هناك حيث يستلقي الكائن الجميل .
لو أن أمرا مشابها حصل في بلد من بلاد الفرنجة الكفار لهالك حجم الحراك الذي كان سيكون في سبيل إنقاذ الكائن كيفما كان من خطر محدق و حال. كم مرة أمتعنا ناظرنا بتلك الأفلام الوثائقية و الريبورتاجات عن عمليات نسميها " غريبة " حيث يهم الأوروبيون بجد و جدية على تحريك آلاتهم و عضلاتهم و أفكارهم لإخراج قط علق بين جدارين ملتصقين أو فوق عمود تسلقه بداية وعجز بعدها عن النزول عنه ...
ذهبنا رأسا إلى مقر الوقاية المدنية عسى نجد في طلبهم نجدة لكائن لا يقل أهمية عن الإنسان، صادق أكثر من الإنسان. ما أصدق العنوان الذي وصف به أحدهم كتابه قائلا " فضل الكلاب على كثير ممن يلبس الثياب " وفيه تنبه النبيه إلى خصال هذا الكائن الحساس، فهو الأمين الثابت على مبادئه من وفاء و غيره .. ( يشكر النزر من كريم فعل .. آخر الدهر لا تراه نسيا .. و تناديه من مكان بعيد .. فيوافيك طائعا مستحيا ...) .. دخلنا إلى مقر الوقاية المدنية و ألقينا على العنصرين المداومين التحية، فتناول المدير الكلام يخبرهم عن ما جاء بنا و عن حال الكلب المسكين الذي في أمس الحاجة لأن ينقل على وجه السرعة لجهة تهتم لحاله .. ولم يفاجئنا جواب الشاب المخاطب حين أخبرنا أنه لا يملك سلطة السماح لسيارة الإسعاف بالخروج دون تبرير الأمر ، و إصابة الكلب الخطيرة ليست تبريرا مقبولا بإخراج الإسعاف، تم نصحنا بأن نجد بيطريا و ننقله إليه .. هذا هو جواب شاب مغربي ، عنصر في الوقاية المدنية يوم الجمعة من هذا الشهر و هذا العام ملخصا ببساطة و عفوية و دون إدراك تاريخ تخلف عظيم نحمله على كواهلنا ، يثقل مشينا بل يوقفه و يخفف في نفس الأوان عنا ثقل الإحساس بأننا ننافق أنفسنا و العالم ..
عدنا كما يعود أمثالنا في هذا الوطن ، وتركنا البشر و الكلاب للقدر .. وحينما ناد المنادي للصلاة من يوم الجمعة ، أخذت علبة سمك إلى حيث الكلب ينتظر الوفاء و أفرغتها أمامه ، غير أنه لم يكن آبها بها فقد شغله عني الألم ..

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014