شرف الحرية / فؤاده العراقيه



اقترنت كلمة الحرية بقول ( اعوذ بالله ) يردده الغالبية لمجرد سماعهم لهذه الكلمة حيث ارتبطت بعقولهم مع الرذيلة وخصوصا مع جسد المرأة لتُرعبهم وتلحق بهم سلبيات لا حصر لها .
أنا حر أو أنا حرّة جملة منبوذة لدينا اجتماعياً تعني التمرّد على خصوصيات تقاليدنا ومفاهيمنا التي تنبذ كل جديد وكل من تمرّد عليها حيث اصبح الأنسان لدينا ودون ان يدري ملكية خاصة لمفاهيم هذه المجتمعات وعليه ان يكون عبداً لها وكما اراد له التقليد أي كما كان أجداده بدون اضافة او نقصان , وأخص هنا بالذات نظرة الأنسان العربي لحرية المرأة بعد ان شكّلت له حريتها هاجساً مرعباً ودفيناً استقر بلا وعيه دون ان يشعر بأسباب خوفه من حريتها .
كلمة يرددها الكثيرين بأن فلانة امرأة وعليها ستقع العيون وبها ومعها ستكون الخطيئة , حريتها وخروجها سيمثل لهم خطراً وتمثل لها خطورة كونها امرأة , ولكن الحقيقة بأن الخطورة نبعت من الرجل وعلى مر العصور وهي كامنة في عقله اللاواعي الذي افسده المجتمع وجعله يعاني من الكبت ليتربص للمرأة في جميع تحركاتها التي ستأتي بخطورة عليه .
تبدأ رحلتنا مع القيود الجسدية والفكرية منذ ولادتنا وحتى مماتنا , طعم الحرية انعدم ذوقه لدينا ولا نستطيع ان نتذوقه ما لم نعرف طعم الحقيقة وهذه تكون صعبة المنال وبعيدة في مجتمعاتنا التي قمعت حرية التفكير لدينا . 
اعوذ بالله من حرية افعال المرأة ومن حرية كلماتها ومن حرية تفكيرها ومن الكثير من تصرفاتها باستثناء تلك التي خصصوها لها من امور بيتية , فغلب عليها النظرة الجنسية الشائعة فانعدم حقها في الكثير من الحقوق التي تمتع بها الرجل وصارت غالبية النساء بلا دور لهنّ سوى انهنّ اصبحن جسداً للعمل بأطار البيت كالعناية بالأطفال الى المطبخ ومتطلبات الزوج من خدمته الى امتاعه , فيستعوذون من شيطان الحرية التي ستقودها الى حرية التفكير لديها ومن ثم تصيربها الحال الى ان تُحرير نفسها من تلك العبودية التي استمرت لقرون فيتحججون ويستعوذون من تلك المرأة المتحررة بفكرة أو بحجة انها تطمح الى حرية جسدها كتعريته واباحيته . 
ولهذا وصفوها منذ القدم بانها من حبائل الشيطان والغواية واستمرت هذه الفكرة لقرون , فالكثيرون ممن اقتنعوا دون دراية منهم بأن المرأة التي تحررت من بعض القيود التي كبّلها بها المجتمع ستكون غالباً بلا اخلاق , ( والأخلاق هنا ارتبطت بالجسد فقط ) , لأنها بنظرهم ستكون بحالة من عدم الخوف من أي عقاب او رادعٍ ليردعها من فعل الخطيئة فيما لو ارادت لها وكأنها لا تستطيع من ردع نفسها بالرغم من انها قادرة أكثر من الرجل في ضبط نفسها , ولكنهم تشبثوا بفكرة التخويف ومن لم يتوقع العقاب والحساب فلا رادع له ليمنعه من الرذيلة ليعدموا بذلك ضمير الأنسان وقناعته ويبقى الخوف فقط يعشعش في عقله مما ينتج منه انسان مقموع ومقهور اجتماعيا. 
الخوف والرهبة هذه من يوم الحساب تدفع صاحبها الى عدم القناعة بافعاله ولكنه مُجبر عليها وفي نفس الوقت لو توفرت له الفرصة او انعدم حسابه فسيطلق عنان نفسه لفعل ما ترغبه من سيئات , فهل ما يفعله من امتناع لفعل السوء سيكون كما لو امتنع عنها من لم يخاف من أي حساب ؟ 
قمع المرأة وقهرها يجسد تفكير وتمسك الرجل والقمع الواقع عليه بمرور السنين فالمرأة حتى وان كانت تحافظ على ذلك الجسد المقدس لهم فهم يستعوذون منها لو انت قوية وسيصفوها بعديمة الأخلاق لو عاشت حياتها وامتلكت نوع من الحرية وان كانت بسيطة , فلو ارتفع صوتها قليلا فقد اصبحت بلا اخلاق لأنه عورة , او لو تحركت بعفوية دون اي قيود ستكون بلا اخلاق لأن حركاتها معدودة , والحقيقة الخافية التي لا يريدون لها التصديق هي انهم يرتعبون من حريتها التي ستقودها الى حرية تفكيرها وستعينها لكسر قيود عبوديتها ولكسر عقدة نقص الرجل وغروره على امتداد التاريخ .
وكذلك فكرتهم التي زرعوها عنوة وهي انها غير قادرة على الدفاع عن نفسها باعتبارها الجنس الذي صيّرهُ المجتمع ضعيفاً لا يستطيع الدفاع عن نفسه بالأضافة الى انها تمثّل الخطيئة من وجهة نظرهم وسبباً مباشراً لتسليط غرائزهم عليها , فسُلطت الأضواء عليها في حالة انها تحررت من بعض قيود المجتمع من نظرات الى علامات الأستفهام , فتشبثوا بقمعها بالرغم من ان الخطأ يتوّلد ويكبر بهم ومنهم . 
فالكثيرين الذين يرفضون مطالبة المرأة بالتحرر يلصقون تحررها بحرية جسدها واباحيته بسبب نظرتهم على انها مجرد جسد لا علاقة لها بالعقل وهذا ما شكّل لهم هاجساً مرعباً , فيستبعدون رغبتها بحرية عقلها وفكرها وحتى هذه الحرية محكومة بضوابط وحدود وضِعتْ لها منذ يوم ولادتها , فلا يحق لها شأنها في هذا شأن الرجل في أن تسأل عن ثوابت سارت عليها مجتمعاتنا , ولهذا نرى بانعدام التطور والتغيير لفكر الرجل ولا زال تفكيره مقتصراً على مفاهيم ما قبل قرون .
البعض الآخر يتصور بأن الحرية تعني الصراخ بوجه العادات والتقاليد وضربها عرض الحائط دون مراعاة لتلك العادات ودون مبالاة لردة الفعل العكسية لهذا التمرد الطائش . 
فعندما تطالب المرأة بحقوقها الأنسانية يستنكر البعض الساذج منهم وهم الغالبية , يستنكر طلبها معتبرين فعلها عداءً للرجل وغيرةً منه , وفي نفس الوقت تكون غالبية النساء رافضات لحريتهنّ بسبب الخوف والتعود على العبودية والاعتماد المباشر على الرجل بعد أن غرس المجتمع في تفكيرها بأنها الجنس الناعم والضعيف . 
ماذا يعني لنا ان تُمنع المرأة من الخروج امام الرجل كما يخرج هو امامها ؟ يعني انها ستُحرك غريزته اولا ومن ثم تتحرك غريزتها بفعل تأثيره عليها فيما لو هي اختلت برجل , لكن الحجب سار على المرأة فقط دون الرجل , والمنع والكبت مورس ضدها وعليها دونه رغم ان الضعف يكمن فيه والخطورة ناتجة منه , من خلال تغطية جسدها العورة لأجل ان لا تتحمل خطيئة الرجل , في الوقت الذي يسير الرجل كاشفا عن مفاتنه امامها وعليها ان تتجرد من عاطفتها ومن طبيعتها نحوه . 
( لا يعني هذا بأن علينا ان نطلق العنان لرغباتنا وان تبيح المرأة رغباتها دون اي قيود وكذلك الرجل)
وضعت مجتمعاتنا ذلك الغطاء لأجل رغبة هؤلاء الرجال ولزيادة شبقهم الجنسي لها لا اكثر , بمعنى أن جسدها سيكون محجوب عن اعينهم ليزدادوا لهفة بمكنون ذلك الجسد الكامن في ما وراء الحجاب , وستكون به مجرد جسد مغلّف يتلهف له الرجل ويصير امامه كاللغز, وهي ستطمأن لنظرة الناس لها فنظرتهم ضرورية لتجنبها مشاكلهم وخوفا من لسانهم عليها وهكذا تستمر دوامة فارغة من محتواها . 
مقاييس الشرف مطلقة وثابتة ولا يجوز ان تكون نسبية , ولكن ما يحصل بمجتمعاتنا اليوم هو اختلاف تلك المقاييس حسب الجنس ومكانة المسىء لهذه المقاييس من حيث وضعه اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا , فالمقاييس اصبحت اليوم نسبية ودرجاتها متفاوتة تُقاس حسب وضع المسىء دون الغوص بجذورها واسبابها فهي مفاهيم قديمة تمسكنا بها لا تستند على الحجج ولا الدراسات , لكنها مجرد موروثاً وأفكاراً خاطئة علينا التمعن بها ؟ فالعلاقة وثيقة ما بين الشرف والحرية والأنسانية . 

ابداعنا بوعينا وقوتنا بأملنا .. بهم نهزم التخلف وننتصر للأنسانية

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014