نساء مسلحات




أتذكر المرة الأولى التي أرى فيها نساء مقاتلات في صفوف الجندية . كان ذلك في بلدة  تدعى " Arasadithivu "  في جزيرة سيرلانكا .انتقلت بالقارب عابرا بحيرة واسعة في المنطقة التي تسيطر عليها جماعة الفهود المحررة للتاميل إيلام ، المعروفة اختصارا بـ" L.T.T.E"  ، المجموعة التي دخلت في حرب عصابات مع الحكومة السيريلانكية  . حينما انتهيت إلى شاطئ البحيرة ، وجدت الطريق إلى مخيم عسكري تديره النساء . الفهود كما يعرف عنهم ، كانوا في غاية العنف . قبل أسابيع قليلة من مقدمي كانت النساء المقاتلات قد اخترقن بلدة مجاورة ، وباستعمال المناجل قضين على ساكنتها . تعرف قائدات الفهود بسمعتهن  في التفجيرات الانتحارية . ( مثال على ذلك ، تلك العملية التي اغتيل فيها الوزير الأول الهندي " راجيف غاندي " سنة 1991 ). كن مناسبات لهذا الأمر ، قويات ولا مكان لحس الدعابة لديهن " من الصعب معرفة كم شخصا قتلت " تعلق( سييتا ) ، عضوه في مجموعة الفهود ، في سنها الثاني والعشرين . أكثر ما بقي عالقا بذاكرتي من تلك الرحلة هي قارورات الغاز السام المعروفة باسم السيانيد ، معلقة في أعناقهن كقطع مجوهرات للزينة . فالوقوع في يد الحكومة السيرلانكية غالبا ما يعني الاضطهاد ، لدى لم تكن المقاتلات ليجازفن بالقبض عليهن .

بدا لي اللقاء بتلك النساء غريبا . يستحيل أن تحبهن ، أو تحترمهن ، بالنظر إلى – أو قل بسبب – وحشيتهن . كان الأمر هكذا . قويات كما الرجال . في الوقت الخاص بلقاء زعمهم Velupillai Prabhakaran تجتمع الفهود فيما يشبه نداء العبادة . لم يكن إدخال النساء للجيش مرتبطا بفكرة أن الزعيم يميل إلى هذا الجنس ، بل لأن خمسين سنة من القتال قد كلفت الكثير من أرواح الرجال ، انخفض عددهم بينما كانت نسبة الجنس الأنثوي كبيرة . وهن من أردن القتال . قراءتي هذه تجد لها سندا أيضا في عنوان " نساء يمتن من أجل المساواة " .

فكرت في سيدات " الفهود " أمس ، حينما قرأت عن القرار ، الذي بموجبه يلغي وزير الدفاع " ليون بانتا " الحظر الذي كان خاصا بــ " المجندات الأمريكيات المقاتلات " . هذا الأمر كان ومد زمن طويل في طريقه للتحقق . منذ عشرات السنين ، كان بالإمكان أن نلاحظ الأمريكيات وهن يطلقن الرصاص على الناس ويفقدن العيون ويخسرن السيقان في الحروب . ليس بعد الآن .،.في السنة الثانية عشرة منذ بداية الحرب في العراق وأفغانستان ، تدفع العسكرية وبتبات السيدات إلى مهن لا أحد يمكن أن يسميها " لا قتالية " بدون أن يحور الجملة عن معناها . في أيامنا هذه ، توجد نساء يطرن بالأباتشي العملاقة ، آلة الرعب والقتل المزودة بالصواريخ والمدافع .يطرن "بالميدفاك " ( medevac ) ، وغالبا ما تتجهن بهذه الآلة  مباشرة إلى تبادل النار في سعيهن إلى نقل جندي مصاب . عضوات بما يعرف بــ" فريق التدخل ، إناث " الذي يلج القرى الأفغانية المهددة من طرف طالبان ، وذلك لأن الثقافة المحلية الأفغانية لا تسمح بأن يتواصل الرجال مع نسائهم . إذا ما الذي يبدو في هذه المهن " لا قتالا " ؟؟ لا مفاجأة إذا في ما نشرته " التايمز " اليوم ، أكثر من 130 سيدة قتلن في العراق وأفغانستان ، وأكثر من 800 جرحن . المرأة أصبحت قوية كالرجل .

مفهوم المساواة هنا هامشي ، والسبب الحقيقي الذي قدم في عبارة " لا قتالية " التميزية التي لا معنى لها ، هو في حقيقة الأمر تغير لطبيعة الحروب . في أسلوب القتال القديم ، مثل ، الحرب العالمية الثانية ، جيش نظامي قوي يبعث لمواجهة جيش نظامي آخر قوي . في حرب كهذه ، قيادة الآليات لنقل الإمدادات ، أو إعداد تقارير يومية عن الأحداث ، يعد أسلم نسبيا . كلما ابتعدت عن الخطوط الأمامية كلما ارتفعت حظوظ سلامتك . لكن في العراق وأفغانستان لا توجد هناك خطوط أمامية . أو كما تقول الكتائب بالميدان ، الخط الأمامي يوجد حيث تقف .

من في الخطر الأكبر ؟ جندي المارينز في دوريته ، مترجلا في ولاية "هيملاند" ، أم جندية المارينز التي تقود شاحنة الوقود في الطريق إلى قندهار ؟ إذا نظرنا إلى المسألة تقنيا ، فالأول يقوم بعمل حربي/قتالي ، بينما الثانية لا . لكن الفارق بين حروبنا السابقة والحروب الحالية أو تلك التي نتوقع خوضها مستقبلا ، يجعل التفسير التقني لا معنى له .

 أتذكر المرة الأولى التي أرى فيها سيدة أمريكية في معركة . كان ذلك في مارس من سنة 2003 ، أياما فقط على الغزو الأمريكي للعراق . كنت أقود سيارة تأجير ، وحيدا أتابع مجموعة من المارينز المكلفين بتموين بقية الفرق بالغاز والذخيرة . وقع حينها المرينز في كمين نصبه جنود عراقيون كانوا يختبئون بالقرب من الطريق ، سريعا ما تحكم جنود المريز في الأمر ، قتلوا بعضا واعتقلوا البقية .

عندما انتهى الأمر ، كان بعض من هيئات الجندية العراقية منبطحين داخل خندق . صوبت بعض الجنديات الأمريكيات بنادق م16 إلى داخل الخندق . لا أعرف – ولا أعتقد أنهن عرفن – إن كانت رصاصاتهن قد قتلن العراقيين . ( كان هناك رجال مارينز أيضا ) . سألت السؤال الذي لابد منه ، ذاك السؤال الذي أصبح الآن محرجا . ماهو شعور أن تكوني جندية مارينز ؟ لكن السيدة اكتفت بتجاهلي ، كما لو كانت تقول " أيا يكن " . بعدها أداروا محرك الشاحنة واستأنفوا الطريق إلى بغداد .

في تقدم ، على ما  أعتقد .

 ترجمة : عصام بقسيم 
عن النيويوركر

WOMEN WITH GUNS by Kris Mukai

                 

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014