زقزقة الحضور و الغياب



تسابق زقزقته شعاع الشمس المتسلل عبر الرداء المتآكل ، تبتغي أن توقظني هي قبل الجميع . كان احتجاجي الحزين يلبس بالخطابة الدليل على أن لحن الصباح الباكر نوع من التعدي الموسوم بسبق إصرار وترصد .فأرفع رأسي عن الوسادة وبين حاجب وحاجب يغرق خندقان من مزيج الغضب والحزن والبياض . حجتي كانت دامغة لا يعتريها اللبس ، فهي بتقدم النهار تمدني بيقين عجيب على سوء فعل العصفور .

يأتي شعاع الشمس متأخرا ، لكن وفي جعبته نور متواطئ يؤكد سابق قناعاتي ، فأول ما يلمع بمصافحته أعمدت قفص العصفور ، فتراه يتقافز من هنا إلى هناك في تلك المساحة الضيقة . كأن نور الشمس يفضح دعوة السجين حرا ليثور . كنت أستلقي على كنبتي مستمتعا بالاختيار بين أن أنام هنا أو في أي مكان أشاء ، وكان هو ملزما بصرف لحظات حياته داخل قطعة مستديرة تحكمها قضبان تلتقي بقبة سماء القفص . حينها كنت حرا وكان هو سجينا !!!

وجهني القدر أثناء بحتي عن شقة تليق بمغترب يبحث عن فرصة أخرى للحياة في بلاد الحياة إلى غرفة منسية في زقاق ضيق . دخلت الغرفة متعبا من الصمت ، فإذا بي أسمع تحية استدعت بصري على ذاك الركن المركون فيه قفص العصفور . أسعدتني حينها زقزقته ، قبل أن يعاودني الحنين إلى الصمت الذي داوم العصفور المسجون على كسره قبل بزوغ شمس صباح جديد ، كأنها صلاته المفروضة .
كان ولزمن طويل يخطب في إيجاز كل صباح ليبين أمنيته في أن أفهم لب قوله ، وكنت في صمتي أخطب وده حتى يدرك سر حزني . كلانا تكلم وكلانا لم ينصت . يزقزق باكرا ليستنجد لي و بي . أحزن لنتخلص من لغز لغتينا المختلفتين جسدا لا روحا .

استيقظت هذا الصباح قبل أن يبلغني شعاع الشمس ، وقبل زقزقة العصفور . يتمايل القفص المتدلي ويتحول فجأة إلى شئ كبقية الأشياء ، ككرسي  وكنبة وفنجان ... وحده الفراغ يتقافز من هنا إلى هناك ، لأن الخطيب تحرر من جسده أولا ثم من القفص ومني ومن الغرفة تاليا ـ وتقلص الزمن دون أن يمتلئ فراغ اللغز ، وحينها فقط فهمت أن أحدا منا لم يكن حرا ، وأن حجتي يشوبها التشقق ، وقال بموته ما لم يقله بزقزقته .


                                                                                                             بقلم : عصام بقسيم

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014