ضميرك شاخ ...


*1*
ما هذا الشبح الذي يمارس طقوسه عليك باستمرار ؟
يبدو التعب ملائما ليسكن كيانك ، فكل ما قد يحتاجه متوفر في ذاتك . ها هي الخطوط غارقة في وجهك ، ولون الظمأ يظهر لأول وهلة على شفتيك ، كل التعابير المجازية للتشرد ترافقك في رحلاتك المتكررة نحو نفس الأزقة ونفس الأزمنة .
السيجارة تلقى لها شفتين محبتين ، وكأس الشاي الذي إكتسى من فرط انتظاره حمرة تميل إلى السواد . أحاديث الأصحاب لا تتبدل ، فهاهي السياسة تزين كل شئ وإن بدا للسذاجة في كل الآراء لون ، والنادل حفظ عن ظهر قلب مطالب الشلة ، وأي مطالب ؟ براد شاي وسيجارتين ، وفي أحسن الأحوال يزد عدد السيجار المطلوب تماهيا مع حالة المزاج التي تستقر كثيرا في درجاتها العليا .
" يبدوا أني سأعيد نفس السيرة ، وذات الحجج "
ينفث الأسمر منهم دخان سيجارته ، ويعيد إليك الكلام ملطفا وفي ثناياه لكمة لا يراها سواك
" على كل إنها مسألة حظ "
" نعم ، أنت محق "
لست متأكدا من إجابتك الإيجابية ، ولكنك قطعا تعرف أن لا دواء للداء هاهنا ، فالحكايا التي تنسج على طاولة ' الرغي ' تتفسخ لحظة انشطار المجلس ...
ياه ... رأسك سينشطر من فرط التفكير ، كفاك يا رجل ... كفى
بعد هنيهة أصبحت تفكر بشكل إيجابي وفجائي ، فكرت في أن تستأنف شعائر الصلاة التي توقفت عنها من زمن ، فكرت في أن تمارس الركض صباحا ، أن تذهب إلى الحمام الشعبي ، أن تغير قصة شعرك ، أن تتخلى عن مرطب الشعر أو تخفف من إستعماله ، أن تكمل قراءة الرواية التي توقفت منذ زمن عن إتمامها ، أن تقلع عن التدخين ... أن أن و أن
حسنا يبدو الأمر عصيا عليك وقد ألفت منهجا راديكاليا في فن التراخي ..


...*2*
يا دوام الصحة والعافية .. ، وأنت تمر ذهابا ومجيئا في ردهات المستشفى الكبير للمدينة تتأكد من أن تلك الكلمات حكمة في عمقها لن يدركها إلا من يمر من هناك .
" أتمنى لك الشفاء " بسمتك النمطية ترتسم وأنت تبعث هذه الكلمات إلى ذاك الذي يستلقى في الركن الأيسر من الغرفة ، ربما تستجيب بذلك للواجب أو ربما تبرر تلصصك المتواصل بعد أن تلبست بالفعل .
أنت لم تتغير ، ولك أن تصدق كلامي إن شئت ، وأن تصدقه كذلك إذا لم تشأ ، بعبارة أخرى أنت لا تملك خيارا آخر . فيا سيدي ما تراه في المرآة هو طيف يرضي إنهزاماتك ، ووجهك في واقع الأمر ممزق تواري المرآة بكذبتها تفاصيله .


*3*
يا دوام الصحة والعافية .. ،
" أهلا وسهلا ، .. كيف حالك ؟ "
" بخير سيدتي ، وأنت ؟ "
" أنا بخير ، سعيدة برؤيتك "
" وأنا الأسعد ، يا ترى بماذا أناديك ، صيدلـــــــ .. "
" صيدلانية "
" طيب ، مع أني كنت سأناديك بـــ صيدلية "
مرت خمس سنوات وكأنها خمسة أيام ، لازالت كما تركتها ، ربما أنت يا سيدي من تغير ، فها أنت اليوم بلا شارب ، وأصبحت لك خارطة للحية في وجهك ، الآن تتبسم وتتكلم بطلاقة أكثر من ذي قبل _ أقصد أكثر مما كنت عليه قبل خمس سنوات _ . أما هي فرشيقة كعادتها ، ووجهها جميل ..
إنه جميل .. لم تخبرها أبدا بذلك ، لكنها على كل ليست بحاجة لشهادتك .
الجميل أنك تغفر بسرعة ، ولكنك تذنب بسرعة ..
أتعرف ؟؟؟
أنت يا سيدي محتاج
نعم ، محتاج وفي أمس الحاجة كذلك
.. محتاج إلى أن تشرح المشهد كاملا أمامك ، أن تسأل عن موقع الأسمر في روايتك ، أن تتساءل عن كافة أحلامك حلالها وحرامها .. ؟؟
!!!
!!

ما هذا الشبح الذي يمارس طقوسه عليك باستمرار ؟

*4*
يا رجل ، ما بالك ؟
قد دفعت الحساب ، أليس كذلك ؟
أقصد ثمن الحساء ؟ .. أعرف أن هذا لا يكفي ، لكنه بلا شك عمل يحيي بدواخلك عمليات الربط بين كل الأحداث ، لتتأكد كما تشاء من أن لونك الشاحب هو وطنك الحقيقي ، ..
يبدو كلامي معقدا .. سأبسط .. أنت تصلح لأن تكون كما أنت الآن ، لا تبحث عن صيغة أخرى .


                                                                                                                     عصام

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014