لعل ما يراودنا ونحن نحتفي باليوم العالمي للشعر، هو ارتباط
الفلسفة بالشعر، باعتبارها فكرا كونيا يخاطب الآخر ويتجاوز الحدود الثقافية. فالشعر
ما فتئ عبر مختلف اللحظات التاريخية والحياتية يساءل ويبحث ويتأمل داخل حقل اللغة
ببلاغاتها واستعاراتها بعيدا عن التحليل التقني للظواهر.
إن الشعر
يفكر،يرفض،يصنف ويتقاسم مع الفلسفة هذه العمليات العقلية التي نجدها بشكل مباشر في
النص الفلسفي، نلتقي بها في النص الشعري. فالتأسيس النظري للفلسفة منذ الفلاسفة
الطبيعيين ابتدأ بالقصيدة الشعرية، فنجد مثلا "بارميندس" يتحدث عن نشأة
العالم والثبات المميز للوجود عبر نظمه قصيدة "الجياد" فضلا عن هرقليطس
ويوربيدس..إلخ.
هذا لا يعني عدم
وجود مواقف سلبية من الشعر خصوصا مع أفلاطون الذي يقول في "الجمهورية": أنه
ينبغي طرد الشعراء من دولتنا لأن ذلك أمر يحتمه العقل"، لكن خلفيات هذا
التصور تكمن في مدى عقلانية أفلاطون المثالية التي تسعى نحو التجرد من كل ما يمكن
أن يعيق العقل في عمله، والشعر باعتباره وجدانيا ويحاكي الأسطورة لزم الإبتعاد
عنه، لأنه لا يسعى نحو الحقيقة.
الشعر قوة تأويل:
إن فهم العالم يمر
عبر إختلاق عوالم موازية له، تمكن من عكس صورة الواقع بصفة كلية، فعندما يتم
إستبعاد العقل ويسمح للوجدان وللحاسة الذوقية بالإشتغال، يمكن أنذاك إكتشاف آفاق
رحبة وحقائق جديدة ما كان للعقل أن يأتي بها. يتحدث باسكال وإن في سياق مغاير:
"إن للقلب منطقا هيهات للعقل أن يعرفه". ليس هناك إنفصال بين مكونات
المعرفة البشرية فهذه التفرقة إنما نشأت بحكم التخصص في دراسة الظواهر، وهذا ما
حذى بهيدغر إلى القول بأن الفلسفة تقهقرت عندما إرتكزت على العقل وحده مع سقراط
ونفت المكونات الأخرى: الشعر،الملحمة،الأساطير،الرموز..
الشعر إحساس بالجمال:
إن القوة الخلاقة
للشعر تجعل الفرد ينظر للوجود نظرة جمال وتفنن أكثر من نظرة تقنية ضيقة. فالفن أحد
وجوه الشعر ينظم ويهذب حياة الإنسان النفسية والشعورية، وتجعله ينأى عن الواقع
اليومي المتكرر وتجربة الإحساس الدافق لا يمكن عيشها بالإرادة والعقل، وإنما
بإستنفار الإحساس الوجداني وإستخذام مجازات ورموز داخل عالم اللغة.
التجربة الشعورية:
أحيانا نعجزعن
التعبير عما يخالج صدورنا من مشاعر الحزن أو الفرح، الحب أو الكراهية، الـتأمل أو
التدبر..فاللغة الشعرية هي ما يجعلنا نفرغ كل الشحنات الوجدانية لتتخذ شكل قصيدة
أو رواية أو خاطرة..فالإبداع ينشأ من رحم المعاناة، ومهما بالغنا في شعورنا بما
شعر به الشاعر، فشعورنا يبقى عاجزا عن عيش تجربته.
ترانيم فلسفية حول
الشعر:
01- الشعر هو التعبير
عن العالم السري للعالم."بول ريكور"
02- الشعر تجاوز للواقع
العيني فهو ليس حقيقة كاملة سوى ضمن عالم مغاير وأخروي."شارل بودلير"
03- وحدها الفلسفة
بإمكانها أن تفتح من جديد منابع الفن المطمورة معظم أجزائه من حيث الإنتاج أمام
التفكير.وهي وحدها التي تسمح لنا بأن نأمل في الوصول إلى علم حقيقي بالفن."شلينغ"
بقلم : ذ مولود البيكم