أود هنا أن أكتب تحية " للخط العربي" .
نابعة ببساطة من إعجابي به . تتوقف أنفاسي أمام تلك الكتب التوضيحية القديمة التي
نجدها في المخطوطات الفارسية والعثمانية ،
وذاك الخط الحديث الذي نجده في الشوارع العربية ، تلك الإضاءة المشعة من
الخط . سأضع روابط أسفل النص ، أنتم بلا شك ستحتاجون لتصفحها .
ابتدأت قصتي مع الخط العربي قبل خمس سنوات ، بصراحة
لست فنانة ولا أملك من الصبر ما يجعلني أضحي بحياتي من أجل الغوص فيه ، لكني أردت
أن أدرب عيني من أجل عملي بالمتحف على المجموعات (Collections ) الشرقية ، حتى يكون بمقدوري التمييز بين مختلف الأساليب وفهمها . وهو ما تعلمته على
يد أستاذ من استانبول . وهذه الصورة هي واحدة من محاولاتي الأولى، وقد عقدت محاضرات في هذا الموضوع خلال السنة
الماضية . إذا اسمحوا لي بأن أحدثكم قليلا عن الخط العربي .
للخط العربي معنى ديني بالأساس ، فقد ذكر في الآية الأولى من القرآن )) اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ
الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ
يَعْلَمْ{ 5)) .
ينظر إلى اللغة
العربية وكتابتها على أنها هدية ونعمة من الله ، وهي معجزة وعلامة على وجوده، وبها
تعلو كلمته وتبلغ كل مكان . كما أن معنى الخط العربي يستمد أهميته من المعتقد
الإسلامي الذي ينفر من تصوير الهيأة ( الخلق والتجسيم المرتبط بفكرة الوثن * المترجم ) رغم أنه ( التصوير) ظل حاضرا طيلة العهود الإسلامية (( وهذا موضوع آخر للنقاش )) . استنادا
لما سلف فالخط العربي لم يكن مجرد تزيين ، إنما كانت له أبعاد روحية عميقة ،
والصورة كانت هي الهيئة الكاملة للغة والتجلي الغيبي لله ، من تم فإن مضمونه على
غاية من الأهمية .
ابتدأ أستاذ الخط
العربي باكرا في شرح معانيه بطريقة شعرية :
" ألفه (ا)
كمثل شجرة طويلة من الرموز التي تعطي للروح السلام ، وصاده (ص) كعين الأحبة ...
داله (د) ولامه (ل) ... "
لكلمات هذه القصيدة
جذور في التصوف الإسلامي . فقد تلقى العديد من الخطاطين تعليمهم على يد معلمين
صوفيين ، يعتقدون بأن كلمات القرآن لا يجب أن تفهم بالعقل فقط ، بل بالقلب أيضا.
وحتى فعل الكتابة يصبح تجليا لجمال الله ، ويتطلب القيام بعمل ناجح في "الخط "
الوصول لمرتبة من النضج الروحي ومصدر لجمال الروح . ووحده قلب صاف يصنع تخطيطا
صافيا .
كان ولا زال الطريق
إلى بلوغ العلم في الخط العربي طويلا ، وغالبا ما يتطلب عمرا بأكمله .جرى التقليد
على أن المعلم يفصل في قبول المتعلم عنده . أول ما يكون في درب التعلم أن المتعلم
يكتفي بمشاهدة معلمه ، فيعلم عينه على تراكيب الحروف وجمالياتها وأشكالها . تم
يبدأ في نسخ تركيبات معلمه حتى يتعلم من هذا الطريق أنواع الأساليب ، ويبقى على
هذه الحال حتى يقرر المعلم بأن تلميذه مستعد للخطوة التالية في درب التعلم . سنوات
نسخ الأشكال عن المعلم تدرب الروح وتجعلها متوازنة. وخلال المرحلة الثانية يبتدئ
التلميذ بالعمل التخيلي ، وهكذا يكون لأن مرة خطاطا تنمو بعقله التركيبات . ويجب
عليه خلال هذه المرحلة أن يكون عفويا ، لكن فقط في عمله التخيلي (( لأن العفوية لا
علاقة لها بمنهجية الخط ذاتها )) . يكون بعدئذ مستعدا لتركيب عمله الأول ، وأستاذه
هو الذي سيأذن له بأن قد صار معلما . ويأتي الحظ أخيرا ليضاف إلى ما سلف ، حيث به
وحده قد يقدم الأستاذ الأول هذا الأخير
ليتعرف على الوصفات السرية والمكونات الإضافية التي يعلمها المعلمون .
ارتبط الخط العربي
بالتاريخ الإسلامي منذ بداياته المبكرة . وبسبب الرقعة الجغرافية المتسعة لهذا
العالم ، قد نجد تأثيرات محلية مختلفة ومتنوعة ، إلا أن فن الخط العربي ظل ميزة موحدة وإن شهد الكثير من التطورات
والتحولات . وخلال عصور استعملت أساليب مختلفة ارتباطا بالمعطى الجغرافي وكذا
بالأدوات . ونظرا إلى التنوع والاختلاف في الأسلوب والمدارس يعدوا تجميع كل الخط
في مجموعة واحدة متكاملة مستحيلا .
كان المحتوى الغالب
على الخط العربي التقليدي ذا صيغ دينية ، من مثل الشهادة ، آيات قرآنية ، أسماء الله الحسنى ، أو اسم
الرسول محمد . وغالبا ما تبرز الأسماء
بلون واضح . بالإضافة إلى ذلك كانت هناك محتويات أخرى من قبيل ، الشعر ، رسائل الحب
، أسماء الحكام وسلالاتهم . نجد في الفن الإسلام كذلك نوعا من النقوش الزائفة ،
أشبه بتشكيلة حروف فضفاضة لا معنى لها . أحد أشهر الخطوط العربية شهدها العهد
العثماني ، حيث كان الحكام يضعون تواقيعهم داخل ما يعرف ب " ثغرة " .
وضعت الإصلاحات التي
عرفتها تركيا نهاية تامة لعمل الخطاطين ، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية وبعد أن
قرر أتاتورك في بدايات القرن العشرين تبني الحرف اللاتيني بدل العربي . لكن مع ذلك
لا زال الخط العربي يعيش ، خصوصا في
العالم العربي ، ودليلي كما أسلفت هو معلم الخط العربي الذي وجدته في استانبول .
يستوحي الخط العربي
المعاصر في أيامنا هذه من التأثيرات العالمية ، من الأساليب الغربية والأسيوية، التكنولوجيا الرقمية الحديثة
ومن المواد المختلفة .
أصبح الخط العربي المعاصر يفقد معانيه الدينية ،
إلا أن الطريقة التي يتم به تركيب رسائل جريئة في عمل فني ما ضلت هي نفسا التي نجدها في الزمن
الكلاسيكي . أضحت الأعمال المعاصرة متحررة في أغلبها من القواعد الصارمة للأسلوب
التقليدي ، رغم أنه في بعض الأماكن (( إيران مثلا )) لازالت الحكومة تساند نشر الخط التقليدي . خسر فن الخط ميزة
النخبوية التي ميزته خلال الزمن الكلاسيكي ، فنحن نجد في أيامنا هذه أساليب الخط
العربي حتى في التصميم الجرافيكي المعد لشركة ما أو على الملصقات .
في الأخير أقدم
إليكم بعض الفنانين المعاصرين المفضلين عندي ،
- كريم جباري خطاط وفنان الشارع .
كما يبدو لي فقد تعلم الخط التقليدي ، لكن تقدم خطورة إلى تحويل عمله نحو الخط
المضاء . حقيقة صورت تأخذ أنفاسي كل مرة .
ألقوا نظرة على أعماله إنه يستحق ذلك : http://www.madefromwords.com/index.html
- السيد ، خطاط تونسي ونموذج حقيقي
في استعمال أدوات وأساليب عصرية . أحب أسلوبه التركيبي في فن الشارع العربي تابعوه على الصفحة التالية : http://www.facebook.com/elseed.artist?fref=ts
- إذا كنتم مهتمين بنشر فن الشارع العربي و فن الخط ، تابعوا : http://www.facebook.com/From.Here.To.Fame.Publishing
* النص الأصلي : http://www.facebook.com/aGirlWalkingThroughTheMiddleEast
ترجمة "عصام بقسيم لنتوءات على ورق ،"