جلسنا نرتجف من أثر الاحترام المختلق بدل الخوف المخفي . كان الأمر يتعلق بصداقة فرضت بقوة علينا جميعا، فنمرر له الكرة في الملعب ، وفي الفصل نساند جهوده على الغش لنداري كسله ، نتسارع إلى المشي خلفه في الساحة .. ببساطة كان العملاق وكنا الأقزام .
أعرف أنني جبان لكن التصريح بهذا كان صعبا ، والأصعب أن أنساق وراء طلب الفتاة التي تعجبني والتي تدرس في القسم الرابع . أعني أن أصوم عن رمي الكرة له وأن أمشي بالساحة أمامه أو على الأقل بموازاته ، وأن أطالبه بالاجتهاد.
أتذكر آخر مرة جلست دون أن أنتبه على كرسيه في الساحة وكيف جذبني من معطفي وألقاني أرضا ، أحسست بالألم ...
أنا أحسن من "علي" ، على الأقل أنا يده اليمنى ، أقصد يده اليمنى الثانية ، الحقيقة أني لا أحب أن أوصف باليسرى فوالدتي تخبرني على الدوام أن اليد اليسرى لا بركة فيها . "إبراهيم" كان يده اليمنى ، جاسوسه ومنفذ عقوباته فينا ...
كل الأمور كانت تسير رتيبة إلى أن جاء ذاك الصباح ، تقدمت كعادتي لأصافح الصديق العملاق وأثني عليه باحترام يستشف من كيفية كلامي . تأخر إبراهيم عن الحصة الصباحية فوبخه الأستاذ ، صمت الجميع وتعالت ضحكة العملاق في الخلف سخرية " كعادته " من إبراهيم .
كان يوما لا ينسى ، فقد أعلن إبراهيم انقلابه على العملاق ، كان عراكا حقيقيا ، لم يتجرأ أحد على التدخل (كانت تلك رغبة العملاق ، بل أمره ) . لأول مرة نرى العملاق يصرخ ألما بهذا القدر ، كنا سعيدين بذلك.
انتهى عهد وبدأ آخر ، فجأة وجدنا أنفسنا نتملق إبراهيم ونرفعه بكلماتنا لرتبة العملاق ، ونحط بنظراتنا من الصديق المهزوم إلى مصف الأقزام ...
تعلمت حينها الدرس ، في زمن الأقزام يكفي التملق والنظرة لنبقى أقزاما ونرفع أحدهم عاليا ليسحقنا بصفته عملاقا .