في النبرة المغطاة بالثلج تكمن حقيقة الكلمات . وليس
دبيب القول انعكاسا صافيا للدواخل . فماذا جرى لصوتك بح وهو الذي يطرب تحررا
وأمنية ؟ هل امتد الصقيع إلى أعماق الكهف وتدثرت بقماش التركيب الجديد لقطع لعبتك؟
أيها القمر ، إذا بزغت كما يليق بك أن تفعل ، إذا طللت
علينا كما سنتك القديمة ، فلا تنسى رداء اللمعان . أشع نورا ، فلا أحد من خلق الله
يكره نورك . أما انزواء الإنسان داخل قوقعته بعيدا عن خطابك في أماسي الشتاء ،
إنما هو جهاد آخر ليكون اللقاء فارغا من الارتباك .
كلماتك المسطرة فقدت هذا اليوم عبيرها ، ألجمها الشك
وأفزعها صوت خطوك على قارعة البعيد ، ..
هل يحزنك حضورك أم هو غيابك يفعل ؟ لماذا تكتب حروفا مرتبكة وتتحرى نهجا أخشاه
وتخشاه ؟ .. تبسم ، تكلم أنت ، أنت لا شبحا آخر ينتحلك . قل كلماتك أنت ، لا كلمات
التراجع ، بل كلمات الإيمان .
كان الليل غارقا في عتمته ، وكنت أنت مستلقيا في
الفضاء تمرر بسمتك على الجدار الحالك . نظرت إليك عبر رداء النافدة ، رفعت وجهي
أتأملك ، أتحراك ، فسكبت النور على خطوط العتاب . حينها كنت القمر ، فما يغريك على
الاستقالة من كل صفاتك ، والتودد إلى النوى .
إذا كانت الحماقات تمسح البشاشة عن المدى المرقع ،
فبشاشة أمسية من أماسيك القديمة لا تطاولها هشاشة ذاكرة مثقوبة . حينما يكون
العالم سجنا صغيرا ، تحرر المربعات الصغيرة لمملكتك المفاهيم من معقوليتها
المنسوجة من زور . فيصير التحرر الصغير المحدود المؤقت عالما كاملا ، ويعدو السجن
المترامي قطعة بالية من قماش قديم . ألا يغريك سحر مرورك ، ألا تمتعك حقيقتك ؟ أم
أن حقيقتنا هي عيب صغير من مملكة كمالك ؟
تكالبت قناعات الظلام على محاولاتنا ، ولازال
بالذاكرة طنين الأمثال المضروبة عن المحاولات . ولأن الملاك هو أنت ، تصنعت الانقياد
لمسار الحكي ولم أرد أن أكون شيطانا ، فألقي بنفسي في طرف آخر من العالم ، بعيدا
عن زماننا ، عن كلامنا .
كلماتي هي تلك التي لم تولد بعد ، تلك المنذورة
للخيال والأمنيات ، وهناك فقط أكون وتكون حقيقتي . أما ما تنفوه به الألسن فما هو
إلا غيري ، لا أنا أكون كلماتي المسموعة ولا هي تكونني .. يا قــمـــــــــــــــر .
بقلم عصام بقسيم