أنا
جد متحفز لتوديع هذه السنة ، رغم أنها ماضية في حال سبيلها بتوديعي لها أو بدونه ،
كما مضت أخواتها السابقات وكما ستفعل اللاحقات ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام .
إني وخلال العمر الطويل ' قياسا بنظرتي إليه' القصير ' قياسا بمتوسط مفهوم الطول
في ذكريات بني جنسي ' ، - إني – لا أتذكر لي طقسا محددا أستعمله في توديع العام
واستقبال أخيه ، بل كل ما يعلق بذاكرتي هو هذا الجهد الذي يضنيني في مقاومة الفصام
التاريخي الذي يخلفه في الرقم المتغير من الرباعي الحامل لكنية الزمن . فأنا لا
أستبعد ، بل إني أتوقع ، حتى قل إني أكيد من أني سأغفل لحين عن التفريق بين السنة
القديمة والجديدة ، ولاشك سيتلعثم لساني
مترددا قبل نطق التاريخ الجديد . ولكني رغما عن هذا الكسل التذكري أتشبث
ببراءتي تشبث الغريق بالقش الأخير . أي نعم ، إني برئ . فكيف لي أن أفهم الحدود
الفاصلة بين سنة وأخرى " ميلادية ، هجرية ، عبرية ، أمازيغية ... " وكل
السنوات متطابقة متكررة ، ومقترفة لذنب عظيم لا يغتفر لدى البوذيين ، فهذه السنة
التي تموت تولد من جديد بنفس الروح التائهة ، بل وتتردى ولا تستقيم في الطريق
السوي الذي تنتهي فيه لتقمص الكمال . سنة حرب محلية تلد سنة حرب إقليمية ، وميراث
الظلم في عام يمضي يتزكى في الجديد ليصير أعمق ، وهذا الفقير يرتجف كلما حان الدور
على حفل استقبال سنة جديدة ، ألا يرتجف وكل عام وهو أفقر ؟!!. وإن الأقوام تموت في أوطانها من بطش الحكام ، والمستبد يستجدي
قدوم العام الجديد لتتجدد نيته وإيمانه بالدم ، بينما ينزف المناضل خشية أن ينسل
العام القديم لأن السنة التي أحيتها السنين في بلاده تزكي في تجددها الظلم عن
العدل .
أنا جد متحفز لتوديع هذه السنة ، فقط لأنها ماضية ماضية
، وليس لأن لي فيها مأربا أحتفل له وأفرح لذكراه . وفقط لأن مسير القوم في الزمن
مسير لا مناص منه نحو الأدغال الحالكة السواد . هناك حيث لا أنصح نفسي وغيري
بالتبسم بلها ، ولكن بتشمير السواعد استعدادا أزليا لمقاومة تسلط التكرار الأليم .
لترتفع قبضاتكم قبل آخر منتصف ليل من هذا العام ولتهتفوا هتافكم الجميل المرعب ،
ولتكن عبارة " الشعب يريد " لازمة قولكم . فهي الإرادة المشتعلة وحدها
تعطي مذاقا حقيقيا لتوديع تاريخ واستقبال آخر .
بقلم عصام بقسيم