حينما تصلب الشمس على أحداق المساء في هذه الأرض القصية تنفخ الروح في جسدها الشرقي لتغمر الجثث المسجاة بالعطف و الحنان الى أن يهال عليها الثرى , تمرر أناملها المستفحلة البياض بين خصلات الصبايا و تمسح قطرات الندى عن جبهات الفتيان راشفة من فيض براءتهم
أنا هنا حيث لا نديم يقاسمني الألام ولا حتى حروف أبجديتي التي توخز الوجدان عندما ترفل على درب الانسانية المهدورة , يحدث أن أستغرق وقتا طويلا في الحديث الى نفسي لا من أجل شيئ سوى للتأكد من أن الوشيجة التي تجمعني و اياهم لا تزال سوية , أولئك الذين تتكدس أجسادهم في مهاجع الموت منتظرين تأشيرة الاقامة الدائمة
كل يوم أحمل ورقة تحاكي في بياضها الثلج الذي يكسو قريتي لما يلجأ اليها الشتاء , يثيرني سيل الماضي الذي يجتاحني و يذكرني بانغماس أبناءها في ماءها الجاري كلما طرق الصيف بابها
لكني لا ألبث أن أمزق الورقة لأستمع لمعزوفة تشعرني بالانتماء الى هذه المدينة فلا الأول استمر ناصعا بعدما خالجته بقع حماء و لا الثاني ظل عذبا بعدما لفظ فيه الحمام أنفاسه المحمومة
ما جدوى ما أفعله , أنا فقط أمنح بعدا ثالثا للتراجيديا الساكنة بداخلي , أجعلها قطعة مني بلحم و دم تنزف و تأن , ان فجيعتي أكبر مما يتصورها الجميع فأنا أموت مع كل سيجارة يطال السائل المنساب في شرايينها رئتي المهترئتين و لا أحد سيتحامل على عنصريته ليتوقى رائحة الفطيسة , أموت متجرعا حنظل الوحدة
أشتاق للتسلل الى بياراتها و لتسلق كرومها ,أفكر في أن أهاتف أمي لأطلب منها تحضير الغرفة التي تتحلق حولها فراشات الزمن الجميل لتصيخ الى أهات الأيام المتهاوية لكن ليس قبل أن أتناسى أن بيتنا استحال أنقاضا و أن والدتي كذلك أصبحت سرابا يجيئ كل ليلة الي
يقتلني الفضول لمعرفة كلمات الاغاني التي ابتدعتها الأمهات لهدهدة الرضع , لا تخف نم هنيئا يا فلذة من كبدي !!!
أود لو أجرب طعم الأرغفة الممهورة بالدماء فقد سمعت عنها الكثير , أريد الرحيل علني أجد عملا كحائك للأكفان هناك ....
بقلم : أسامة شرفاوي