أحلام مقايضة




كدت أفعلها السنة الماضية ، كدت أن أسرق المسافات ، أن أطويها طويا كما أطوي صورهم الباعثة على القيئ . لكني لم أفعل لأن شيئا أسميته القدر كتب الطوي على شئ آخر غير المسافات والوجوه . لقد إختار أن أكون معك مضمونا لنسيان متبادل ، فهل انصعت لهذا السرد ونسيتني ؟
إني ورغم الأمواج المتلاطمة التي تأخدني حينا إلى طرف الكره وحينا إلى شاطئ الحب لازلت على قيد الحياة أقتبس بقع الهواء الشريد على بحر النهايات الكثيرة المتشابهة . نعم كدت أفعلها قبل سنة لأجلك ، وها أنا على وشك أن أفعلها الآن بسببك .
يدي التي تتعرق في مثل حالها أثناء الفصل المشابه لهذا من كل عام ، تقبض على الجواز الغامق خضرة . والجبهة كحال اليد وكل الجسد تتصبب عرقا ويرتفع الحر بدواخلي رغم المكيفات التي لا شك تختفي وراء السقف ذو الهندسة الأندلوسية. البشرة البيضاء لهذه التي كانت تتقدمني في الصف لا تبدو عليها آثار الحر المتجلية على وجهي تجلي شمس هذا الصيف في كبد السماء . الحقيقة أن العبارات التي أجترها بداخلي ، وتلك السخرية العميقة لقدري هذا هي ما حولني إلى هذا الكائن البرمائي . كنت أظن أن وقوفي هنا سيكون حفلة توديع عامرة بالفرحة وأنت ترفعين يدك ملوحة ومتمنية لي التوفيق ومحترقة شوقا ليوم العودة التي ستتوج هذه الفرولة النابتة في حقلنا ، أليس هذا ما أطلقته دائما على قصتنا ؟ على حبنا !!؟ ... كان السؤال يتكون بداخلي كلما اقتربت إلى الجميلة الباسمة كآلة لكل وجه يقابلها ، وأخيرا صار جاهزا ،، ماذا سأصنع في بلاد العم سام وقد استحالة دوافعي إلى هباء ؟ .
اقتربت ولم يعد يفصلني عن هذا الذي يطبع الجوازات غير هذه الشقراء التي لا شك أنها أمريكية ، وحينها اشتعلت الأوراق الأخيرة بعقلي ، وكنت أستمع لهذا الهمس الذي يخبرني أن أتردد ، فلا داع للسفر ،، للهرب . يجب أن أستمر ، أن أعيش حياتي كما تعيشها بقية الخلائق حاملة لجراحها لا هاربة منها . ازداد التعرق ، وارتفع الإرتباك والإرتجاف إلى أعلى الجسد . استنتجت أن وجه الباسمة لكل المسافرين قد عبس في وجهي كما لو أنه رأى عدوا . انسحبت الشقراء جارة حقيبتها نحو غرفة الإركاب . تحركت شفاه الرجل ، تحركت من جديد ، تم لوح في عيناي بيده وهنا سمعت ما كانت تتحرك به شفتاه "سيدي ، سيدي ، جواز سفرك ، سيدي .." مددته مبللا بحرقة التيه . فجأة اقترب ضابط آخر من هذا الجالس أمامي ، إنحنى نحوه ليتسلم منه بعض الكلمات ، مد إليه جوازي ، " أرجو أن تأتي معي سيدي ، ...

بقلم عصام بقسيم 

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014