هي امرأة. تؤمن بما يزعم أن خلقت له النساء, تؤمن أن شهوة آدم هي مسارها, دينها و مخرجها الوحيد من رحم الأخ لرحم الزوج. تستعيذ بالإله و تبصق في صدرها مرتين حين يرنو إلى سمعها مصطلحات الزندقة و الهرطقة الجديدة : ثورة, تمرد, مساواة بين الجنسين و حركة نسوية. هي امرأة, و لأنها تشابه ملايين النساء العربيات يكسونا العار من أخمص أقدامنا حتى خصال شعرنا المغطاةِ بقطع القماش الملونة. و لأنني امرأة و هي امرأة, قررت الركض بين المكتبات لأشتري كتابها "أحببتك أكثر مما ينبغي", لأنني امرأة جال بخاطري أن الخليجية أثير عبدالله ستكون امرأةً بحق, و أنها ستهين رجلاً و ستعترف انها أحبته أكثر مما يستحق, ظننت أنها ستقول أنه لم يكن رجلاً و لم يكن ذكراً و لم يكن شيئاً يستحق الذكر. لأنني امرأةٌ جُرِحَت ظننت أن أثير عبدالله ستخيط جراحي, و أنها لن تكون امرأةً ساقطةً مليئةً بالحب المقيت و الألم المثير للغثيان ككل النساء. اقتنيت كتابها و بحماسٍ قلبت صفحاته بعد أن قرأت اهدائها: "لا تحزني فالآن يرحل عن ربوعكِ فارسٌ مغلوب."(أثير عبدالله). ثم التفت إلى تفاصيل الرواية, كانت مزعجة مليئةً بالتضرع لرجلها: لا تسحقني, همست لك, أكره حبي لك. مليئةً بالاستسلام و الذل كانت:"مستمتعةٌ أنا بحمايتك المزعومة لي و سعيدٌ أنت بلجوئي إليك".(أثير عبدالله, 29). بصقتها, لعنتها لأنني امرأةٌ كاملة, لأن في لجوئي للرجل ضعف, و في حمايته لي نقص, و في استمتاعي بها خطيئةٌ بحق جسدي , عقلي و روح التمرد فيّ.أعادتني أثير عبدالله إلى وقتٍ لم أعِ فيه أن كوني امرأة يجعل مني مخلوقاً غير قابلٍ للانكسار, للانحناء أو للسقوط أعادتني إلى وقتٍ كنت أتنفس فيه شبه رجلٍ آمنَ أني عاجزةٌ عن المضي قدماً بدونه, و ما أغبى الإيمان أحياناً.
أما السورية سلوى النعيمي فقد خرجت بشبه تمرد في كتابها برهان العسل, النعيمي اعترفت في بداية روايتها: "أملك حسا اخلاقيا لا علاقة له بقيم العالم الذي يحيط بي. رفضتها منذ زمن لا أتذكره, هذا الحس الأخلاقي الشخصي هو الذي يزن أفعالي و يمليها علي , أنا التي برمجت معاييري. ما يهمني هو معنى ما أفعل و انعكاسه علي و على حياتي"(برهان العسل,15) قذ يتحاذق البعض مبررين أن النعيمي جاءت من بيئة أكثر تحرراً من الخليجية أثير عبدالله, و في هذا سخافة, سوريا و الخليج, المغرب و السودان كلها دول عربية تستلقي تحت نفس المفاهيم المتشققة, كلها تعَهِر المرأة, تمتلك المرأة و تحورها لأداةِ جنسٍ ليلاً, طباخة و خادمة نهاراً ثم "مفرخة" لتسع أشهرٍ متواصلة, لتنتهي مرضعةً لذكرٍ سيقمعها و ابنتها و زوجته بعد حين, أو ابنةٌ ستربيها لتصبحَ عاهرةً بعقد زواجٍ من المحكمةِ الشرعية و شهادةٍ من ذكور العائلة بأن عذريتها مصانةُ و محفوظة كمومياءَ فرعونية. في المشرق و المغرب العربي كلنا نساء, عاهراتٌ في الفراش أو على الورق, كلنا بعذريتين, تلك التي بين أفخاذنا و التي تحدد شرفنا, صلاحيتنا للزواج و مقام عائلاتنا, و الأخرى عذريتنا التي يغتصبها المجتمع يومياً, عذريتنا التي تخترقها أمهاتنا بالملابس المحتشمة التي تُفرض علينا عندما يبرز لنا ثديين, و تلك التي يخدشها اولئك الذين تجرهم اعضائهم الجنسية في شوارع المدينة لتلتهم أعينهم كل ما يدب على الأرض, فتاةٌ, طفلةٌ أو أم. لهؤلاء الذين استبدلوا أدمغتهم بقضيبهم أقول: اتمنى ان تغتصب أختك حرفياً كلما اغتصبتني و اغتصبت أخرياتٍ قبلي و بعدي في مخيلتك. أهديكم سلامي و شرفي و عذرية أخواتكم كل يوم. لهؤلاء قالت سلوى النعيمي: "الحب للروح و الشهوة للجسد. و انا لا روح لي, الجملة سكنت جسدي قبل أن أكتشف ان هناك حَرَمَ النساء من الأرواح"(برهان العسل,34) لأن لا روح لكم و لأنكم سلبتوني روحي, أدوس الحب و الروح و شرفكم المقيت و أسير, لشهوتي, لجسدي و أحلامي.
بعد حين التقيت بكتاب فضيلة الفاروق "اكتشاف الشهوة", ظننت أنه كان كتاباً بحتاً عن شهوة الجسد و الجنس فاقتنيته. أردت ان أعرف كيف يمكن لكاتبةٍ عربية جزائرية بربرية أن تكتب عن الشهوة. قرأت أكثر من نصف الرواية و أنا ممتعضة لأنني لم أعرف ما هي الشهوة و لم أكتشف شهوتي بعد. لكن فضيلة الفاروق, تلك الجزائرية التقليدية كسرت كل التقاليد حين كتبت:"عدت و أنا مقتنعة أن ‘الباب الذي تأتيني من الريح لا يمكن سده لأستريح’ يجب كسره و الوقوف في وجه الريح حتى تهدأ. لقد تعلمنا سياسة الإغلاق منذ نعوفة اظافرنا, ولهذا نحن نجهل تماما ما معنى الريح, و ما معنى أن تهب و ما معنى أنت تجرف معها الوساخات و المبادئ المزيفة و الأعراف المعلقة كالتعاويذ والتقاليد الكرتونية "(اكتشاف الشهوة,83) اكتشفت شهوتي, كانت شهوةً مخباةً في قمعٍ نحاسيٍ قديم, في وادٍ سحيق, كانت شهوةً للحياةِ, للحريةِ, للتمرد و للثورة, كانت شهوةً للقوة, لا لكره الرجل و لا لحبه, بل لتهميشه, فما دام الرجل قضيباً مجرداً يركض في أرجاء المدينة فانا بغنىً عن كل رجال العالمِ حتى أبي, حتى يعود الرجال رجالاً سأبقى تلك الفتاةُ التي لا تعترف بالمرآة و لا بمساحيق التجميل, لا الملابس الداخلية التي تثبت نهداي, و لا الكعوب العالية التي تنزع قلوب الذكور المتزعزين جنسياً من مكانها. لأنهم ليسوا رجالاً بحق, لن أكون امراةً بحق.
تكتب الفاروق صراع "باني" مع الطلاق من زوجها و رفض عائلتها المطلق و تقول: "مطلقة, تعني أكثر من أي شيء آخر امرأة تخلصت من جدار عذريتها الذي كان يمنعها من ممارسة الخطيئة, امرأة بدون ذلك الجدار امرأة مستباحة, أو عاهرة مع بعض التحفظ"(اكتشاف الشهوة,86) مجتمع عربي كامل ينظر للمرأة من خلال ثقب, و يرى عذرية المرأة بمنظارٍ مكبرٍ لقطعةِ علكةٍ بين ساقين, فكيف نحلم بأن يقبل بثورةٌ تصطف فيها العذارى و المطلقات و العوانس و المتزوجات و العاهرات و المنقبات و بنات الليل جنباً إلى جنب ليصرخن أن عذريتهن قد تم اختراقها و غزوها قبل عقود, حين قرر الذكور أنهم رجال, و نسوا أن النساء هن من يجعل الرجال رجالاً؟ و كيف نؤمن أن أسوأ من أولئك اللاتي يحاولن تجنب الثورة, النساء اللواتي ينتظرن من الرجال أن يقوموا بتحريرهن من العطب الاجتماعي الذي نعيش فيه, تعود فضيلة الفاروق بشهوة أخرى و هي غباء و ضحالة تفكير رجال الشرق: "أغلب المفكرين العرب لا ينظرون إلى المرأة سوى أنها ثقب متعة و لذلك يناضلون من أجل الحرية الجنسية أكثر مما يناضلون لإخراج المرأة من واقعها المزري."(اكتشاف الشهوة,61) ها هي الفاروق تشرح ببساطة فكرة و نمط الثورة في البلاد العربية, رجالنا الاعزاء يفتخرون بالحرية الجنسية مع حبيباتهن, و الاحتباس الحراري مع من تمت لهم بصلة الدم, هذا الاحتباس الحراري الذي تعيش اختك فيه يا صديقي يبرده رجلٌ آخرٌ مثلك تماماً, رجلٌ يؤمن بثورة النساء الجنسية مع حبيباته. فعندما تجلس أنت في مقهىً مع فتاةٍ لتشرح لها أن غشاء بكارتها لا يعنيك بشيءٍ ما دامت عقليتها تناسبك, يجلس آخرون مع أختك ليقنعوها بنفس المنطق الملتوِ, أختك ليست مريم العذراء يا صديقي, فكما أنت هنا تكذب عليّ, احدهم يجر أختك إلى مخدعه ليقنعها أن الثورة تنبعث من قضيبه. كلناعاهرات و كلكم فسقة, و ما يجمعنا في هذه البلاد شرفٌ قرأنا عنه أيام عبلة و عنترة. و حتى تلك العبلة في مفاهيمكم عاهرة, فكيف بالله تسمح لثغرها أن يلمع لعنترة؟؟
كل هذه الروايات لم تفلح باخراجي من قوقعة النساء اللاتي لسن إناثٍ بحق, بل أجسادٌ و ثقوب شهوة, حتى جاءت جمانة حداد ب"هكذا قتلت شهرزاد", قتلتني لتحييني بكل كلمةٍ صرختها في كتابها, حداد أخرجتني من جسدٍ لم أميز أنه جسدي لفرط ما خبأته تحت الملابس الفضفاضة و الألوان المحايدة, جمانة أعادت إليّ عذريةً سرقها مجتمعٌ شرقيُ منحل. جمانة أصبحت شريعتي لأن جمانة قالت: "أما الجدار إرثي "العظيم" هذا, الذي شيده أسلافي, و يزيد معاصريّ من علوه يوماً بعد يوم, انجازاً بعد انجاز, هذا الإرث الكارثي الذي جاءني من حيث لم أطلب, مثلما تجيئ المصائب كلها, فحدثوا ولا حرج"(حداد, 11) صناديقٌ, أغطية رأسٍ تغطي الشعر و تترك الرقبة و الحلق ظاهرين, أقنعةٌ أو شراشف حريرية تغطي سرير الزوجية و اختناق العذرية, كلها أوجهٌ لرجالٍ آمنوا أن المرأة لا شيء, و لنساءٍ آمنَّ انهن لا شيءَ دون رجلٍ يثبت أنهن عذارى و أنهن كن يوماً ما ناقصات دونه. و كما تؤمن الفاروق بأننا:"مجتمعٌ يحتاج إلى من يوقظ مخيلته"(اكتشاف الشهوة, 115) جاءت جمانة حداد و أوقظت مخيلتنا, قتلت شهرزاد و أكملت لنا مفهوم الثورة ,أعطتنا مخيلةً جديدة و صححت مخيلتنا المهترئة, صححت مفهوم الثورة و العذرية و التمرد, و ظهرت الثورات, متعددة الأشكال و الاوجه, ثورات شاركت فيها النساء جنباً إلى جنب فيما يسمى الربيع العربي, ساعدن الرجال على نيل حقوقهم في التعبير و عدن إلى المطابخ ساعة التحرير, و تستنكر حداد قائلة:"أي ثورات هي هذه, إذا كانت المرأة ترضى بأن تكون محض بيدق يُحرك عند الحاجة, و يهمل ساعة القرار؟ أي ثورات؟"(حداد,34)
أيضاً, تحولت النساء التي تطالب بالثورة إلى مشروع عاهرات, المؤسسات المصرية كافئتهن بفحص العذرية في حال اعتقالهن, و الليبية تكفلت بضربهن و اهانتهن في السجون, و اليمنية بخلع حجابهن و تمزيق ملابسهن,حداد تعود لتذكرنا بغباء الرجال عندما يتعلق الموضوع بثورةٍ تكون المرأة نصفها الأفضل: "أما في اليمن, فالشغل الشاغل لعلي عبدالله صالح...كان جريمة الاختلاط التي حدثت في شوارع صنعاء بسبب نزول النساء الى الشوارع و مساهمتهن في الاعتصامات"(حداد, 34) حتى الثورات في ‘بلاد العرب أوطاني’ ما هي إلا أفعالٌ ناقصة, حين توصم ثورةً تشارك فيها النساء بالعار و الخيانة و ثورة يشارك فيها الرجال بالوطنية و الشرف. ثم بدأت ثورةٌ أخرى لا أعرف إن هي موضة أم محاولة لتخطي الواقع المغلق أم هي خوفٌ من صفعاتٍ و تحرشاتٍ في الشوارع لذا تختبئ الفتيات في غرفٍ مغلقة خلف شاشات حواسيب ليعلن الثورة من هناك, "انتفاضة المرأة في العالم العربي" واحدة من أهم الحملات التي بدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي, بالنسبة لي أجمل ما هذه الحملة مشاركة شبابٍ من مختلف أقطار الوطن العربي بشعاراتٍ لم أعتقد أنهم آمنوا بها من قبل, أحد الشباب حمل بطاقةً تقول:"أنا مع انتفاضة المرأة في العالم العربي لأن كرموسوم واحد مش من حقه يحدد تفاصيل حياة الانسان", و آخر كتب أن قريته اسمها أم الفحم و ليس "أبو" الفحم.
و بغض النظر عن المحصلة النهائية للآراء التي تدعم أو ترفض هذه الحملة, و بغض النظر عن رأيي الشخصي, تبقى هذه الحملة واحدة من أرقى و أجمل الانتفاضات التي حاولت المرأة القيام بها بغض النظر عن محاولات الطمس الهائلة لها, و التساؤلات البشعة التي توجه للنساء: لقد وصلتن أعلى مراحل التعليم الجامعي, و تسببتن بالبطالة للرجال. لكن برغم كل التجريحات تبقى أحد أجمل مميزات الحملة أنها انبعثت برقة و بتمرد, السلاحان اللذان تتمتع بهما المرأة, سلاحان ذو حدان لا يعرف الرجال كيفية التعامل معهما بعد, توافق حداد قائلة:"متى ستقفز من شرنقتها و تتحول إلى فراشة شرسة تحفر طريقها بأظافرها الحادة و الناعمة في آنٍ واحد؟"(35).
أما السورية سلوى النعيمي فقد خرجت بشبه تمرد في كتابها برهان العسل, النعيمي اعترفت في بداية روايتها: "أملك حسا اخلاقيا لا علاقة له بقيم العالم الذي يحيط بي. رفضتها منذ زمن لا أتذكره, هذا الحس الأخلاقي الشخصي هو الذي يزن أفعالي و يمليها علي , أنا التي برمجت معاييري. ما يهمني هو معنى ما أفعل و انعكاسه علي و على حياتي"(برهان العسل,15) قذ يتحاذق البعض مبررين أن النعيمي جاءت من بيئة أكثر تحرراً من الخليجية أثير عبدالله, و في هذا سخافة, سوريا و الخليج, المغرب و السودان كلها دول عربية تستلقي تحت نفس المفاهيم المتشققة, كلها تعَهِر المرأة, تمتلك المرأة و تحورها لأداةِ جنسٍ ليلاً, طباخة و خادمة نهاراً ثم "مفرخة" لتسع أشهرٍ متواصلة, لتنتهي مرضعةً لذكرٍ سيقمعها و ابنتها و زوجته بعد حين, أو ابنةٌ ستربيها لتصبحَ عاهرةً بعقد زواجٍ من المحكمةِ الشرعية و شهادةٍ من ذكور العائلة بأن عذريتها مصانةُ و محفوظة كمومياءَ فرعونية. في المشرق و المغرب العربي كلنا نساء, عاهراتٌ في الفراش أو على الورق, كلنا بعذريتين, تلك التي بين أفخاذنا و التي تحدد شرفنا, صلاحيتنا للزواج و مقام عائلاتنا, و الأخرى عذريتنا التي يغتصبها المجتمع يومياً, عذريتنا التي تخترقها أمهاتنا بالملابس المحتشمة التي تُفرض علينا عندما يبرز لنا ثديين, و تلك التي يخدشها اولئك الذين تجرهم اعضائهم الجنسية في شوارع المدينة لتلتهم أعينهم كل ما يدب على الأرض, فتاةٌ, طفلةٌ أو أم. لهؤلاء الذين استبدلوا أدمغتهم بقضيبهم أقول: اتمنى ان تغتصب أختك حرفياً كلما اغتصبتني و اغتصبت أخرياتٍ قبلي و بعدي في مخيلتك. أهديكم سلامي و شرفي و عذرية أخواتكم كل يوم. لهؤلاء قالت سلوى النعيمي: "الحب للروح و الشهوة للجسد. و انا لا روح لي, الجملة سكنت جسدي قبل أن أكتشف ان هناك حَرَمَ النساء من الأرواح"(برهان العسل,34) لأن لا روح لكم و لأنكم سلبتوني روحي, أدوس الحب و الروح و شرفكم المقيت و أسير, لشهوتي, لجسدي و أحلامي.
بعد حين التقيت بكتاب فضيلة الفاروق "اكتشاف الشهوة", ظننت أنه كان كتاباً بحتاً عن شهوة الجسد و الجنس فاقتنيته. أردت ان أعرف كيف يمكن لكاتبةٍ عربية جزائرية بربرية أن تكتب عن الشهوة. قرأت أكثر من نصف الرواية و أنا ممتعضة لأنني لم أعرف ما هي الشهوة و لم أكتشف شهوتي بعد. لكن فضيلة الفاروق, تلك الجزائرية التقليدية كسرت كل التقاليد حين كتبت:"عدت و أنا مقتنعة أن ‘الباب الذي تأتيني من الريح لا يمكن سده لأستريح’ يجب كسره و الوقوف في وجه الريح حتى تهدأ. لقد تعلمنا سياسة الإغلاق منذ نعوفة اظافرنا, ولهذا نحن نجهل تماما ما معنى الريح, و ما معنى أن تهب و ما معنى أنت تجرف معها الوساخات و المبادئ المزيفة و الأعراف المعلقة كالتعاويذ والتقاليد الكرتونية "(اكتشاف الشهوة,83) اكتشفت شهوتي, كانت شهوةً مخباةً في قمعٍ نحاسيٍ قديم, في وادٍ سحيق, كانت شهوةً للحياةِ, للحريةِ, للتمرد و للثورة, كانت شهوةً للقوة, لا لكره الرجل و لا لحبه, بل لتهميشه, فما دام الرجل قضيباً مجرداً يركض في أرجاء المدينة فانا بغنىً عن كل رجال العالمِ حتى أبي, حتى يعود الرجال رجالاً سأبقى تلك الفتاةُ التي لا تعترف بالمرآة و لا بمساحيق التجميل, لا الملابس الداخلية التي تثبت نهداي, و لا الكعوب العالية التي تنزع قلوب الذكور المتزعزين جنسياً من مكانها. لأنهم ليسوا رجالاً بحق, لن أكون امراةً بحق.
تكتب الفاروق صراع "باني" مع الطلاق من زوجها و رفض عائلتها المطلق و تقول: "مطلقة, تعني أكثر من أي شيء آخر امرأة تخلصت من جدار عذريتها الذي كان يمنعها من ممارسة الخطيئة, امرأة بدون ذلك الجدار امرأة مستباحة, أو عاهرة مع بعض التحفظ"(اكتشاف الشهوة,86) مجتمع عربي كامل ينظر للمرأة من خلال ثقب, و يرى عذرية المرأة بمنظارٍ مكبرٍ لقطعةِ علكةٍ بين ساقين, فكيف نحلم بأن يقبل بثورةٌ تصطف فيها العذارى و المطلقات و العوانس و المتزوجات و العاهرات و المنقبات و بنات الليل جنباً إلى جنب ليصرخن أن عذريتهن قد تم اختراقها و غزوها قبل عقود, حين قرر الذكور أنهم رجال, و نسوا أن النساء هن من يجعل الرجال رجالاً؟ و كيف نؤمن أن أسوأ من أولئك اللاتي يحاولن تجنب الثورة, النساء اللواتي ينتظرن من الرجال أن يقوموا بتحريرهن من العطب الاجتماعي الذي نعيش فيه, تعود فضيلة الفاروق بشهوة أخرى و هي غباء و ضحالة تفكير رجال الشرق: "أغلب المفكرين العرب لا ينظرون إلى المرأة سوى أنها ثقب متعة و لذلك يناضلون من أجل الحرية الجنسية أكثر مما يناضلون لإخراج المرأة من واقعها المزري."(اكتشاف الشهوة,61) ها هي الفاروق تشرح ببساطة فكرة و نمط الثورة في البلاد العربية, رجالنا الاعزاء يفتخرون بالحرية الجنسية مع حبيباتهن, و الاحتباس الحراري مع من تمت لهم بصلة الدم, هذا الاحتباس الحراري الذي تعيش اختك فيه يا صديقي يبرده رجلٌ آخرٌ مثلك تماماً, رجلٌ يؤمن بثورة النساء الجنسية مع حبيباته. فعندما تجلس أنت في مقهىً مع فتاةٍ لتشرح لها أن غشاء بكارتها لا يعنيك بشيءٍ ما دامت عقليتها تناسبك, يجلس آخرون مع أختك ليقنعوها بنفس المنطق الملتوِ, أختك ليست مريم العذراء يا صديقي, فكما أنت هنا تكذب عليّ, احدهم يجر أختك إلى مخدعه ليقنعها أن الثورة تنبعث من قضيبه. كلناعاهرات و كلكم فسقة, و ما يجمعنا في هذه البلاد شرفٌ قرأنا عنه أيام عبلة و عنترة. و حتى تلك العبلة في مفاهيمكم عاهرة, فكيف بالله تسمح لثغرها أن يلمع لعنترة؟؟
كل هذه الروايات لم تفلح باخراجي من قوقعة النساء اللاتي لسن إناثٍ بحق, بل أجسادٌ و ثقوب شهوة, حتى جاءت جمانة حداد ب"هكذا قتلت شهرزاد", قتلتني لتحييني بكل كلمةٍ صرختها في كتابها, حداد أخرجتني من جسدٍ لم أميز أنه جسدي لفرط ما خبأته تحت الملابس الفضفاضة و الألوان المحايدة, جمانة أعادت إليّ عذريةً سرقها مجتمعٌ شرقيُ منحل. جمانة أصبحت شريعتي لأن جمانة قالت: "أما الجدار إرثي "العظيم" هذا, الذي شيده أسلافي, و يزيد معاصريّ من علوه يوماً بعد يوم, انجازاً بعد انجاز, هذا الإرث الكارثي الذي جاءني من حيث لم أطلب, مثلما تجيئ المصائب كلها, فحدثوا ولا حرج"(حداد, 11) صناديقٌ, أغطية رأسٍ تغطي الشعر و تترك الرقبة و الحلق ظاهرين, أقنعةٌ أو شراشف حريرية تغطي سرير الزوجية و اختناق العذرية, كلها أوجهٌ لرجالٍ آمنوا أن المرأة لا شيء, و لنساءٍ آمنَّ انهن لا شيءَ دون رجلٍ يثبت أنهن عذارى و أنهن كن يوماً ما ناقصات دونه. و كما تؤمن الفاروق بأننا:"مجتمعٌ يحتاج إلى من يوقظ مخيلته"(اكتشاف الشهوة, 115) جاءت جمانة حداد و أوقظت مخيلتنا, قتلت شهرزاد و أكملت لنا مفهوم الثورة ,أعطتنا مخيلةً جديدة و صححت مخيلتنا المهترئة, صححت مفهوم الثورة و العذرية و التمرد, و ظهرت الثورات, متعددة الأشكال و الاوجه, ثورات شاركت فيها النساء جنباً إلى جنب فيما يسمى الربيع العربي, ساعدن الرجال على نيل حقوقهم في التعبير و عدن إلى المطابخ ساعة التحرير, و تستنكر حداد قائلة:"أي ثورات هي هذه, إذا كانت المرأة ترضى بأن تكون محض بيدق يُحرك عند الحاجة, و يهمل ساعة القرار؟ أي ثورات؟"(حداد,34)
أيضاً, تحولت النساء التي تطالب بالثورة إلى مشروع عاهرات, المؤسسات المصرية كافئتهن بفحص العذرية في حال اعتقالهن, و الليبية تكفلت بضربهن و اهانتهن في السجون, و اليمنية بخلع حجابهن و تمزيق ملابسهن,حداد تعود لتذكرنا بغباء الرجال عندما يتعلق الموضوع بثورةٍ تكون المرأة نصفها الأفضل: "أما في اليمن, فالشغل الشاغل لعلي عبدالله صالح...كان جريمة الاختلاط التي حدثت في شوارع صنعاء بسبب نزول النساء الى الشوارع و مساهمتهن في الاعتصامات"(حداد, 34) حتى الثورات في ‘بلاد العرب أوطاني’ ما هي إلا أفعالٌ ناقصة, حين توصم ثورةً تشارك فيها النساء بالعار و الخيانة و ثورة يشارك فيها الرجال بالوطنية و الشرف. ثم بدأت ثورةٌ أخرى لا أعرف إن هي موضة أم محاولة لتخطي الواقع المغلق أم هي خوفٌ من صفعاتٍ و تحرشاتٍ في الشوارع لذا تختبئ الفتيات في غرفٍ مغلقة خلف شاشات حواسيب ليعلن الثورة من هناك, "انتفاضة المرأة في العالم العربي" واحدة من أهم الحملات التي بدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي, بالنسبة لي أجمل ما هذه الحملة مشاركة شبابٍ من مختلف أقطار الوطن العربي بشعاراتٍ لم أعتقد أنهم آمنوا بها من قبل, أحد الشباب حمل بطاقةً تقول:"أنا مع انتفاضة المرأة في العالم العربي لأن كرموسوم واحد مش من حقه يحدد تفاصيل حياة الانسان", و آخر كتب أن قريته اسمها أم الفحم و ليس "أبو" الفحم.
و بغض النظر عن المحصلة النهائية للآراء التي تدعم أو ترفض هذه الحملة, و بغض النظر عن رأيي الشخصي, تبقى هذه الحملة واحدة من أرقى و أجمل الانتفاضات التي حاولت المرأة القيام بها بغض النظر عن محاولات الطمس الهائلة لها, و التساؤلات البشعة التي توجه للنساء: لقد وصلتن أعلى مراحل التعليم الجامعي, و تسببتن بالبطالة للرجال. لكن برغم كل التجريحات تبقى أحد أجمل مميزات الحملة أنها انبعثت برقة و بتمرد, السلاحان اللذان تتمتع بهما المرأة, سلاحان ذو حدان لا يعرف الرجال كيفية التعامل معهما بعد, توافق حداد قائلة:"متى ستقفز من شرنقتها و تتحول إلى فراشة شرسة تحفر طريقها بأظافرها الحادة و الناعمة في آنٍ واحد؟"(35).