الرسالة الأولى :
أرغب في شئ ، ويثنيني العالم الخفي عن رغبتي بتلك الأثقال العادلة جدا عدالة الحاكي فيما يحكيه ، وهو يخفض الإضاءة لتتبين الوجوه . تبيانها أهم شئ ، إنه أهم حتى من قسماتها ، أهي بائسة أم هنيئة ، حزينة أم سعيدة ؟
أرغب أن تتخلل السعادة أنحاءك ، أن تتطاير خصلات شعرك في الهواء حرة باسمة . أرغب في سماع أغنياتك المفضلة منبعثة من المذياع وأنت تشغلين رشاقتك في إنارة الحيطان الهرمة بالطلاء الأبيض .
أرغب أن أوقع أصابعي في أصابعك ، لتتشابك حياتي بحياتك ، ليحل الأمان وينكشف العقرب المتلصص رغما عن الليالي الحالكة ..
أتشجع ، فأرغب في .. رحيل الليالي الغامقة ، .. ماذا يضير أن تتشجع رغباتي .. ؟
..
الرسالة الثانية :
كتبت القصة لكي أهرب مني ، فإن البوح السابق كانني دائما ، بل كاننا أنا وأنت ، أنت وأنا ، فقط ، هذا الفقط الذي أكونه معك وتكونينه معي .
كتبت القصة لأخرج مني ، لأقف في مسافة كافية عني ، وطبعا عنك ، كي لا ننكشف شعرا بعدما فعلنا عيانا .
... فكرت ، ، وفكرت ،، وأطربت مسامعي بألم التفكير ، كنت قد اكتشفت أني حتى الآن لم أكتب أي قصة ، كنت كما البداية ، " تلك البداية الهلامية جدا ، التي لم أكن فيها رغم أني كنتها ،،" كنت ،، كما البداية أكتب فصولا مستمرة ، شبه أبدية ،، فصولا تلو الفصول ،، نفسها ، ذاتها ... تخدعهم الصور ولا تخدعني الحقيقة ،، فلا زالت الوردة التي كانت أصابعي النحيلة الطويلة تفتتها في صيف فرحة ملغمة ، لازالت ، رائحتها بيداي ، لازالت دغدغات تفكيكها تتدحرج في الدم العابر لعروق يداي ... أعيد ذات الفصل ، مرات ومرات ، ذات الفصل الذي ولد من عدم ، ذات المسخ المعجزة ، ذات الدوران ، ذات الحياة ، ذات الذبول الذي لا يليه قيام ..
الرسالة الثالثة :
وقتي ضيق ،، ضيق جدا ، هذا هو الجواب الذي لم أخبرك به ليلتها وأنت تسألين عن سر طبقة صوتي المهترئة .
ضيق ،، ضيق حد الذنب .
كم قصة استعملني فيها الحاكي استعمالا عابرا ، مهينا ، قاتلا .. كم قصة مررت بها كما يمر المسافر بمدن العبور ، تلك التي تبقى ملتصقة بحقيبته دون أن يكون هو قد خلف ولو اليسير منه أو من رائحته فيها ،، تنساه المدن لأنه عابر ، لكنه لا ينساها لأنها استنزفت بعضا من زمانه الضيق .
أصعد خطوات ، أنعرج مع المنعرج يسارا ،، كل الإلتواءات هناك يسارية ، شيطانية ، ملعونة .. لأقابل أبطال القصص ، هؤلاء الذين عاشوها كاملة مكتنزة وخلفوني في المساحات البيضاء أطارد أشباح اختفائهم المدوي، ،، وقتي ضيق جدا ، نصفه مملوء بالمحكيات ، بالخرافات الحقيقية ، بالحقائق الخرافية ، ونصفه مسكوب في أمنيات هزيلة يخيفها الضيق المزمن للزمن .
الرسالة الرابعة
أختار بين العدم والعدم ، ، ؟ إني أختار إذا واحدا منهم فقط ، العدم دون العدم ، العدم لا العدم ...
يوما ما ،، كم من الأشياء علقتها هذه العبارة .. كم من أمنيات سفكتها الإرادة القوية الغاضبة المنبلجة للخروج من العدم إلى العدم ..
أختارك أنت يا حبيبتي ، كاملة متكاملة تامة شاملة ، أختار الموت فيك ، وإليك .
حتى أنت لا أقدر أن أعبر لك إلا بالموت ، بالعدم ، بقاموسي القديم والأصلي والوحيد .
أختارك أنت ، لذا فإني أسمح لك أن تذهبي بعيدا عني ، إلى الأسرة الأخرى المفتوحة سلفا ،، أمنحك كامل الحرية في أن تقتليني بأي استلقاءة هنا أو هناك ..
أختارك أنت يا أنت ، لذا اجمعي ذاكرتك وابعثيها عبر البريد إلي أنا القابع في الطرف الآخر من العدم الموجود ، من الحياة الميتة المنتظمة في طابور الرغبات المسحولة .
بقلم عصام بقسيم