صدرت جريدةُ الأهرام اليوم مُهلّلةً لكلمة الرئيس مرسى عصرَ أمس فى اجتماع مجلس الأمناء "الدولى" لمكتبة الإسكندرية ، فجاء "المانشيت" بحبرٍ أحمرِ و خطٍّ سميك وهو يقول ما نصُّه : نرفض التمييز . . مكتبةُ الإسكندرية مصريةُ الجذور ، دولية الأبعاد ، عالمية الرسالة ! فيا رئيس الجمهورية :
ليس كل "تمييز" مذموماً ، يا رئيس الجمهورية ، فتمييزُ الحقّ من الباطل مطلوبٌ . و مكتبةُ الإسكندرية يا رئيس الجمهورية ليست مصرية الجذور ، فقد أقيمت على أرض مصرية لكن أصولها كلها يونانية . فالملوك البطالمة هم الذين أقاموها و قاموا برعايتها ( وهم يونانيون ) و مُدراؤها الكبار لم يكن فيهم شخص مصرى ، فى أى يوم من أيام نشأتها الأولى ( و كلهم يونانيون ) و علماؤها لم يكتبوا حرفاً باللغة المصرية طيلة القرون الطوال الأولى ( و كتبوا باليونانية ) . . و هنا كان يجب "التمييز" يا رئيس الجمهورية ، و لا يجب القفز الذى جاء فى كلمتك حين قلتَ بعد ذلك ، بغير مواربة و لا مناسبة : النهضة شجرة أصلها ثابت فى تاريخنا و حضارتنا و عقيدتنا ! فيا رئيس الجمهورية :
ليس لمكتبة الإسكندرية شأن بعقيدتنا ، على علوٍ قدرها ، فقد قامت المكتبةُ و ازدهرت فى زمنٍ يصفه الجُهال بالزمن الوثنى ، ثم خرّبها المتعصّبون لعقيدهم سنة 391 ميلادية ، احتفالاً بصدور مرسوم إمبراطورى من "ثيودوسيوس الأول" ينصُّ على أن المسيحية هى الديانة الرسمية للإمبراطورية . . فيا رئيس الجمهورية : العقيدةُ التى تظنُّها أصلاً لوهج المكتبة القديمة ، هى معول الهدم الذى أفنى المكتبة ، من قبل ظهور الإسلام بعشرات السنين . . و هنا ، كان يجب عليك "التمييز" و ليس الخلط بين الحق و الباطل ، بين تاريخ المكتبة و مشروعك المسمى "النهضة"
و تقول يا رئيس الجمهورية ، أو جعلك كاتُبك تقول ، إن الترجمة السبعينية للتوراة تمت فى المكتبة . فهل أردتَ مغازلة اليهود ؟ حتى إذا أردت ذلك ، فاجعل كلامك على النحو الصحيح . الترجمة السبعينية تمت فى مدينة الإسكندرية ، أثناء إنشاء المكتبة أو فى أيام افتتاحها ، و لم تتم فى المكتبة و لا قام بها أهلُ الإسكندرية ، و لا علماؤهم . و إنما أنجزها أثنان و سبعون حَبراً يهودياً ، استقدمهم من فلسطين "بطليموس الثانى" الذى افتتح المكتبة ، و استقدم من أثينا مُديراً لها .
و ليس صحيحاً ، يا رئيس الجمهورية ، ما كتبوه لك من أن المكتبة "كانت بمثابة أكاديمية للعلوم ومركز للأبحاث" . . هذا خطأ ، يا رئيس الجمهورية ، ففى الإسكندرية كان المعهد العلمى أو الموسيون ( بيت ربّات الفنون ) هو مكان البحث العلمى و الأكاديمى ، و كانت ملحقة به مكتبةٌ ، هى التى اشتهرت لاحقاً و سطع اسمها فى سماء الإنسانية باعتبارها مكتبة الموسيون ، الذى كان يديره "كاهن" . . و المكتبة لم تستقبل "الفتيات" كما زعمت فى كلمتك التى كتبوها لك ، يا رئيس الجمهورية ، و وضعوا على فمك العبارات ذاتها التى طالما كتبوها لسوزان مبارك ، و قرأتها على الملأ . . و يمكنك إذا أردت التأكد ، مقارنة ما قلته بالأمس بما قالته سوزان مبارك ، مراراً .
و كيف يصحّ ، يا رئيس الجمهورية ، أن تقول فى كلمتك " كنيسة الإسكندرية هى الكنيسة الكبرى فى العالم المسيحى لعدة قرون ، و حتى مجمع خلقيدونية سنة 451 ميلادية " . . هذا خطأ يا رئيس الجمهورية ، ففى الإسكندرية كانت آنذاك كنيسة كبيرة ، لكنها لم تكن يوماً هى الأكبر ، و لم ينعقد بقربها أى مجمع مسكونى (عالمى ) لرؤساء الكنائس الكبرى ، و لم تعترف بسلطتها الكنائس الكبرى ، و الأكبر : كنيسة روما ، كنيسة أنطاكية ، كنيسة القسطنطينية . . فإذا أردت ، يا رئيس الجمهورية ، مغازلة المسيحيين لسببٍ أو لآخر ، فغازلهم بالتى هى أدقُّ و أفصح !
و تقول كلمتُك ، يا رئيس الجمهورية ، بأنك ترفض " رفضاً باتّاً أىَ تعرُّض للحرية " فما بالنا اليوم نُحاكم بالاتهامات المجانىة المسماة : ازدراء الأديان ، إهانة الرئيس . . و غير ذلك من الاتهامات التى ما أنزل اللهُ بها من سلطان ؟ ثم تقول " الكل سواسيه أمام القانون " فما بال نائبك العام ليس فى "السواسية" و ما بال مدير المكتبة الواقف بجوارك فى الصورة ، و هو الذى أنطقك بما أنطق به سوزان مبارك من قبل ، ليس فى " السواسية" . . ألا تعلم يا رئيس الجمهورية إن المدير الواقف بجوارك : تجاوز السن القانونية للعمل فى المكتبة ، بستة أعوام ! و هو يدير المكتبة تحت رئاستك ، بينما يُحاكم فى قضايا تخصُّ المكتبة ، و جلسات المحاكمات مسترة منذ عامين ، و إلى الآن ! و هو جعلك تلتقى بمجلس الأمناء فى القاهرة ، لأنه لا يجرؤ على عقد الاجتماعات فى المكتبة ، اتّقاء لثورة الموظفين الذين دخلوا عليه مكتبه العام الماضى ، و كان معهم المناضل المأسوف على شبابه " د . محمد يسرى سلامة " فقفز مديرك من شباك الدور الخامس ، محمولاً على أكتاف العسكر . .
و يا رئيس الجمهورية ، يعلم الله أننى لا أكرهك ( و لا أحبّك ) و أننى لا أنتظر منك خيراً ( و لا شّراً ) . . فما أنا إلا ناصحٌ ، يحزنه الكذبُ و يحزّ فى نفسه التخليطُ و عدمُ التمييز ، لاسيما إن جاء على لسان رئيس مصر ! أصلح اللهُ الأمير . .