أيها القائد ، اتبع التعليمات أو أوسع الطريق ..



صدمت أتناء متابعتي للصحوة في العالم العربي  من الطريقة التي بزغ بها القادة الجدد على قلتهم. وحينما أقول القادة الجدد فأنا لا أقصد فقط الثلة من الفائزين بالانتخابات ، بل أقصد بالقادة، الرجال والنساء المكتسبين للشرعية والحاملين في صدورهم نية مصارحة شعوبهم بالحقيقة ، ونية عقد التحالفات المطلوبة لتحريك عجلة مجتمعاتهم من جديد .

انتبهت خلال نقاشاتي مع أصدقاء عرب إلى أن بلدي – حتى لا أقول أوروبا – كان بها نفس المشكل . هناك فراغ كبير على مستوى القيادة ، لكن ما يجعل الأمر مختلفا في العالم العربي هي هذه المرحة الحرجة . حاجة هذه البلدان التي تعيش صحوتها للمرور من الصدامية ( مشتق من اسم صدام ) إلى الجيفرسونية ( من اسم جيفرسون ) دون الوقوع في فخ الخومينية  ( مشتق من اسم خوميني ) .

لماذا أنتجت الصحوة العربية هذا العدد القليل من القادة ؟ هناك تفسيرات تقنية في المقام الأول ، ففي جزء أول لأن الانتخابات في مصر واليمن لازالت تلعب من الخارج ، وفي جزء ثان لأن الانتخابات لم تجرى بعد في أماكن مثل ليبيا وسوريا . إلا أن هناك تفسيرات أعمق لها تأثيرها .

أول هذا التفسيرات تتمثل في حجم الهوة التي ينتظر من هذه المجتمعات ردمها . من سيخبر الشعب عن حجم الوقت المهدور ؟  من سيخبر الشعب بأن السنوات الخمسين الماضية بددتها أغلب الأنظمة العربية في لحظات حكمها المطلق . الدكتاتورية أمر سيئ ، لكن على الأقل نجد الدكتاتوريات الأسيوية من مثل كوريا الجنوبية والتايوان ، استعملت لحظات انحطاطها السياسي في بناء اقتصاديات ديناميكية رائدة في التصدير ، وكذا عممت التدريس على كل شعوبها ، برجاله ونسائه . وخلال ذلك خلقوا طبقات متوسطة عريضة ، كان للقادة الجدد المنبثقين عنها فضل في سلاسة الانتقال من قواعد الاستبداد إلى الديمقراطية . وهو ما لم تفعله الدكتاتوريات العربية . فقد استعملت هذه الأخيرة سلطتها لإثراء فئة صغيرة وإلهاء الجماهير بـــ"أشياء براقة " تسمى إسرائيل ، إيران والناصرية على سبيل المثال لا الحصر .

تحاول الأحزاب الإسلامية ملأ الفراغ ، ذاك الذي خلفه الدكتاتور . من سيخبر الشعب أن الإسلام بينما هو دين عظيم ومجيد ، فإنه ليس الجواب عن وضعية التنمية في البلدان العربية ؟ فالرياضيات هي الحل . فإذا كانت إيران الخومينية تعكس الآية فلأن بها من الوقود ما يجعلها تتحمل تلك التناقضات ، نفس الأمر مع السعودية . تملك مصر وتونس القليل اليسير من الوقود ، وكلا البلدين يحتاجان لقروض من صندوق النقد الدولي . الساسة الإسلاميين الصاعدين من الانتخابات مطالبون إذا بتأمين هذه الديون ، لهذا فهم سيخفضون الدعم ويرفعون الضرائب . والمفترض طبعا هو أنهم سيقدمون أشياء لا أن يأخذوها . فهل هم قادرون على ذلك ؟

من سيخبر الشعب بهذا الأمر . صحيح أن الطريقة التي دخلت بها الرأس مالية إلى العالم العربي في السنوات العشرين الأخيرة تتراوح بين تحول مطبوع بالمحسوبية والفساد ، إلا أن الجواب السليم ليس هو العودة إلى الاشتراكية العربية ، إنما الأفضل هو الرأس مالية : الأفضل هو قواعد السوق الحرة ، العمل على تقوية التصدير ، ولكن الأهم هو الحكم بقواعد القانون الحقيقية ، وتقوية شبكات الأمان .

من يخبر الشباب العربي بأنهم موهوبون شأنهم شأن الشباب في كل العالم ؟ أنظروا كيف اتجه العالم ليتابع انتفاضتهم . لكن كثيرين منهم يعانون من نقص في أدوات التعليم التي تعينهم على التنافس لنيل مناصب شغل في القطاع الخاص . ولهذا فهم في حاجة ليدرسوا أكثر وأكثر لأن زمن الوظائف الحكومية السهلة قد ولى .

الطائفية التي طفت على السطح في العالم العربي عامل آخر يمنع القادة الوطنيين من البزوغ ، فلا أثر لــ"نيلسون مانديلا" عربي أو لــ"مارتن لوتر كينغ" عربي يقدران على رأب صدع الانقسامات الكثيرة التي يعرفها العالم العربي ، الانقسام السني الشيعي في سوريا ، البحرين والعراق ، أو الانقسام الذي يعرفه البدو الفلسطينيين في الأردن ، أو الانقسام بين المسلمين والأقباط المسيحيين في مصر . بدون قادة من هذا المثيل تتقلص الثقة في القدرة على فعل الكثير ، وفي التآزر على فعل الصعب . وما تحتاجه المجتمعات العربية اليوم كثير وصعب ولا يمكن انجازه إلا بالتآزر .  من سيخبر المجتمعات العربية أن  لا وقت متبقي ليستهلك في تلك الطائفية ، التي تقسم الجميع داخل الوطن كما تقسم المنطقة ؟

أكثر القادة فعالية في المنطقة اليوم يتمثل في الجيل الجديد من الملكيات ذات الشرعية في جمع شمل المواطنين وقيادة التغيير . في المغرب ، الأردن وفي الإمارات العربية المتحدة . في مقالها السنوي عن رأي الشباب العربي نشرت  "  " Burson-Marstelleالمعلومات التي تفيد بأن كثيرين من الشباب العربي أبدو رغبتهم في العيش بالإمارات العربية المتحدة بسبب الطريقة التي بنت بها هذه الدولة إمارتي دبي وأبو ضبي داخل عالم من المحاور ومحركات العمل .

تخبرك  "إصلاحات التعليم"  أن ثلاث سنوات متتالية لدى أستاذ سيئ تستطيع أن تؤثر سلبا على التلاميذ لسنوات ، بينما سنة واحدة لدى أستاذ ذو فعالية عالية يجعلهم متمكنين من دروسهم بل وعلى درجة عليا من ذلك . ينطبق نفس الأمر على القادة . دفع القاطرة في مصر واليمن ، تونس وليبيا ، وربما قريبا سوريا ، أمر مهم ، لكنه لا يكفي . لا تحتاج المنطقة فقط للتخلص من الماضي ، إنها في حاجة لإنجاب قادة جدد قادرين على قول الحقيقة الصعبة وقادرين على بناء تحالفات محلية واسعة لتنفيذ العمل . هذا لم يحدث بعد . فمن سيخبر الشعب ؟  

ترجمة عصام بقسيم
النص الأصلي عن النيورك تايمز  :    lead, follow or get out of the way    by – thomas l.friedman

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014