استنفذ الساعة الأولى من دخوله إلى المكتبة في مطالعة
جزء من مجلد عن تاريخ الحضارات ، كان هذا خياره بعد أن استبد به السأم وهو ينتظر
أن يحل الغد ليزورها . تيلبوس نماتيانوس ، كوديانس ... قرأ اسمي هذين الشاعرين
الرومانيين وبدا له أنهما متشابهين ، حاول أن ينطقهما ، أن يحفظهما حتى يستعملهما
كبهارات لحديث قد يدور معها حول روما وتاريخها .
صرف السنوات السبع في وحدة ، يتقاسم فيها مع الراهب إيمانه
بأنه لابد من أن يأتي اليوم الموعود . يومه الموعود قد حل إذا بعد سبع سنوات ، بعد
أن كاد الجنون يفقده الإيمان . لم يستطع أن يحفظ الأسماء الغريبة للشاعرين
الغريبين ، ولا أن يتابع قراءة مجلد بهذا الوزن ، لابد أنها قرأت مئات إن لم يكون
آلاف المجلدات من هذا النوع وهي تحاول أن تنال درجتها العليا في التاريخ ، وهذا
لاشك ما أخرها كل هذا الوقت . هزأ من نفسه وهو يطوي الكتاب قائلا ، ما الذي قد
يضيفه لحياتي أن أقرأ هذا الشئ ، وضعه في مكانه بين الأجزاء الأخرى في الرف ،
وأقفل عائدا إلى شقته .
عاش سنوات الانتظار هنا في هذه الشقة التي اقتناها لتكون
العش الأولي لهما حين تعود . حين أخبر والديه في أمسية عائلية أنه لم يقتني الشقة
من أجل المحولات البائسة التي تدبرها الأم له ليتزوج واحدة من تلك الغبيات ، غضب
منه الجميع ، وازداد الغضب حين صرح لهم بأن زوجته المستقبلية هي "رؤى" ،
وأنهما قد قطعا العهد على ذلك . ارتفع ضغط أبيه وكاد يولي لولا رحمة السماء . من
يومها انقطعت الزيارات بينه وبين أهله .
الأمر صعب جدا ، أعني أن تنتظر الفتاة فارسها حتى
يأتي فهذا يمكن أن يهضمه مجتمعه ، أما العكس فـــ... ، كانت عشية صادمة ، تلك التي
زارته فيها "رؤى" في بيت والديه لتخبره أن الجواب كان ايجابيا ، وأنها
ستسافر إلى روما لتكمل دراستها هناك ، ستتعمق في دراسة التاريخ الذي طالما أحبته .
ثلاث سنوات هذا كل ما تريده ، وستعود لتتزوج من حبيبها . هذا الذي وقعت في غرامه
لأنه مختلف عن الآخرين ، لأنه يؤمن بأن على المرأة أن تحقق أحلامها كاملة كما هو
الأمر للرجال .
هالته هذه المواجهة الحاسمة التي يمتحن فيها القدر
مبادئه وحبه . أجاب ، نعم فليكن ، سافري وحققي حلمك تم عودي إلي فأنا أنتظرك ، ..
لبس طاقمه الجديد ، تعطر بأزكى عطر لديه ، تم فتح
الدولاب وأخذ منه العلبة الصغيرة الحمراء ، ومسح عنها سنوات الانتظار السبع وقبلها
قبل أن يودعها جيبه .
ركب سيارته وقد امتلأ بالحياة ، إحساس الناجح في
اختبارين وبدرجة ممتاز ، لقد سافرت وأكملت دراستها تم عادت ، أي نعم تأخرت أربع
سنوات إضافية ، لكن المعجزة التامة فيه هي أنه قرر أن لا يعاتبها عن هذه السنوات .
طرق الباب ، ولم يكبح ابتسامته التي فاضت من فرط
السعادة حتى قبل أن يفتح الباب . تجند لهذه اللحظة وقرر أن يعطي لعائلته ، للمجتمع
درسا عظيما في القيم الصحيحة. انفتح الباب وانسل منه طفلان . تبادلا التحية ، تم
سأله أحدهم عن اسمه ، عرف بنفسه وسألهما عن اسمهما ،
، أنا نماتيانوس وهذا أخي كوديانس ، .. كنا ننتظرك ،
لقد حكت لنا أمي كثيرا عنك ،،
بقلم
عصام بقسيم