بين الملاك والشيطان



اقترفت الذنب ونظرت إلى الزمان فتبسمت ، عند هذا الحد من الإيمان المضاد فقدت كينونتي القديمة وتحولت إلى هذا الذي أكونه الآن . أصبحت صورة صديقي البدين تبين أمامي في لحظات الانغماس التام في الاقتراف . أعانتني لحظة ما من الزمن المعلق في خانة المسودات على مسح تجاعيد التعب حول عيناي وبينهما . وأصبحت شريرا . أفوق الآن جميع المتبخترين في جلابيبهم ، لأني أدركت رغما عن الوعي المزيف المفروش أمام أنظار بقية البهائم العاقلة – عرفت – أني شرير ، ولم أخدع نفسي ، أو أنني خرجت من الخداع الأول .
أعترف ، بأني لا أحس بالسلام ، لكني لم أكن قد أحسست به قبلا . الآن بعت الولاء .
جردتني كلمات حبيبتي من كل قيمي ، وجعلتني أرى العالم لأول مرة خراجا عني ، بعيدا عن فلسفتي الساذجة . كانت تقول حين ارتعبت " .. لا تكن ساذجا ، لقد قضينا وقتا ممتعا ، شكرا لك على ذلك .." . وقضيت أماسي طويلة أبكي بدون توقف دون أن أفهم بالضبط لما أبكي ، ونظرت إلى صورتها وعرفت أن دموعي يتيمة لا ابتداء لها ولا انتهاء .  هذا الحب ، تلك الأكوام من الرسائل التي تبادلنا كانت مجرد لعبة ، وقد ضعت في اللعبة وصيرتها حقيقتي وواقعي . تم هزمتني أصوات البنادر التي ترتجف لها أجساد النساء في حفلتها التي كانت مأتمي .
ملقى على كرسي المقهى كقطعة قماش بالية ، حين تعالت ضحكة متكسرة في غنج . ورفعت بصري لأنظر إلى الجثة الكامنة واقفة قبالتي تنظر إلي وهي تنطق اسما بدا غريبا تم صار أليفا إلى أن كان اسمي تماما . روح صديق قديم في جسد متخم . لم تكن تلك بسمته التي كانت على وجهه قبل سنين حين كان آخر لقاء بيننا ، ولا الجسد جسده . فاحت منه راحة السعادة المطلقة بينما تنسل من بين أضلعي رائحة خيانة قاتلة .
قضينا لقاءنا ذاك نسترد ما يصلح للاستذكار ،  تكلمت كثيرا عن الماضي وأطنب هو عن الحاضر والمستقبل ، لشخصان لا تجمعهما الصدفة إلا خطأ لأن واحدا ينتمي إلى الانتهاء بينما الثاني ولد لتوه  ليعيش . وما كان مني إلا أن استسلمت لسؤاله المحرج المباشر عن الذي حل بروحي حتى ارتفع إلى أعلاها هذا الحزن ، فشاركته أحداث قصة طرفها الثاني أنا وطرفها الأول أنثى . فمد يده مستجيبا لنداء النجدة المتعالي من الأعماق فقال " صديقي ، إنها محقة فأنت ساذج ، لقد أهدتك نصيحة بالمجان فلا تحزن ، يجب أنت تكون وغدا حقيرا حتى تكون سعيدا ، انبذ للحظة طيبتك وستكتشف ذلك ... إلا إذا أحببت حزنك ..." اندهشت أمام سيل العبارات المنبعثة من صديق كان رقيق الجسد والإحساس وأصيح غليظ الشكل والمعنى . وهنا في فجائية ما ، اقتنعت بما قال وأخذت يده بين يداي كمن يسأل النجاة " أرجوك ، علمي كيف أكون حقيرا ، أقصد سعيدا ... "
مضت السنون ، وأصبحت لنفسي ذكرى لا أحبها ، وكنت أمضي مراهنا على سحر الزمن الذي يلملم الخطايا اللذيذة ، وكنت أنتقم متلذذا من حب جارف آمنت به فكان لعبة .

                                                                                بقلم عصام بقسيم 

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014