في حضرة الثرثار

                                                                       
تستمع لنفسك فقط ، تتكلم طوال الوقت ولا تلاحظ ذلك . يا لفظاعة هذا الأمر ، إنه مقزز ومقفر . لكن الجيد في أمرك هذا أنك لا تعرف ذلك . حاول الجميع أن يجعلك تطبق فمك ، بلا جدوى تفشل كل المحاولات . يستأنف العالم فرصته الأخرى في جعلك تقاسمه فضاء العبارات ، ودائما يفشلون ، فكلماتهم المرتفعة تختفي في أول مواجهة لها مع كلامك المتهاطل بلا انقطاع . لا يبقى أمامهم غير الاستماع والإنصات  ، إلا أن تصبيبك العالي يمنع حتى هذا . وحدك من يستمع إليك ، وحتى في هذه الحالة لا تكون قادرا على الإنصات لنفسك . وجيد جدا أنك تجهل حتى هذا .

توقف قليلا ، أرجوك . لقد حولت الطاولة المستديرة إلى مستطيلة ، كنت جزءا فأمسيت كلا . عباراتك تسافر لترتد إليك ، لو كانت رصاصا لكنت قد وليت . توقف قليلا عن الكلام لا عن المسير ، وانتبه إلى البسمة التي تعلو هذا الوجه أمامك هي نفسها تلك التي علت بقية الوجوه التي اختفت . هذه البسمة بصمة ، دليل على أن عبارات الترحيب هي اعتراف بالتلبس لا أقل ولا أكثر . إنهم يهربون منك ، من دكتاتورية لسانك ، من شموليته .

امنح فرصة للغة صمتك ، ستجد  أن لك لسانا آخر غير الذي يلوك الفراغ محدثا كل هذه الجلبة . تأمل ، فحتى هذا الفعل كلام . في استماعك إليهم ستجد من بين كل الكلام أن هناك بعضا من المفقود الذي تبحث عنه منذ زمان في آلتك المتوترة . فبعض من أشيائك توجد عند غيرك كما لك من أشياء الغير بعض .

                                                            بقلم عصام بقسيم

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014