تستمع
لنفسك فقط ، تتكلم طوال الوقت ولا تلاحظ ذلك . يا لفظاعة هذا الأمر ، إنه مقزز
ومقفر . لكن الجيد في أمرك هذا أنك لا تعرف ذلك . حاول الجميع أن يجعلك تطبق فمك ،
بلا جدوى تفشل كل المحاولات . يستأنف العالم فرصته الأخرى في جعلك تقاسمه فضاء
العبارات ، ودائما يفشلون ، فكلماتهم المرتفعة تختفي في أول مواجهة لها مع كلامك
المتهاطل بلا انقطاع . لا يبقى أمامهم غير الاستماع والإنصات ، إلا أن
تصبيبك العالي يمنع حتى هذا . وحدك من يستمع إليك ، وحتى في هذه الحالة لا تكون
قادرا على الإنصات لنفسك . وجيد جدا أنك تجهل حتى هذا .
توقف قليلا
، أرجوك . لقد حولت الطاولة المستديرة إلى مستطيلة ، كنت جزءا فأمسيت كلا .
عباراتك تسافر لترتد إليك ، لو كانت رصاصا لكنت قد وليت . توقف قليلا عن الكلام لا
عن المسير ، وانتبه إلى البسمة التي تعلو هذا الوجه أمامك هي نفسها تلك التي علت
بقية الوجوه التي اختفت . هذه البسمة بصمة ، دليل على أن عبارات الترحيب هي اعتراف
بالتلبس لا أقل ولا أكثر . إنهم يهربون منك ، من دكتاتورية لسانك ، من شموليته .
امنح فرصة
للغة صمتك ، ستجد أن لك لسانا آخر غير الذي يلوك الفراغ محدثا كل هذه الجلبة
. تأمل ، فحتى هذا الفعل كلام . في استماعك إليهم ستجد من بين كل الكلام أن هناك
بعضا من المفقود الذي تبحث عنه منذ زمان في آلتك المتوترة . فبعض من أشيائك توجد
عند غيرك كما لك من أشياء الغير بعض .
بقلم عصام بقسيم