الطريق لتفراوت

                                         بقلم الأستاذ ملود 

سفري لم يتوقف، بل أنا في سفر دائم أحيانا بين دهاليز الكتب والمتون، وأحيانا أخرى في تقاسيم الأفكار والجغرافيا.في صباح هذا اليوم شددت الرحال إلى مدينة إفني، باعتبارها تعبر عن الانتماء المفروض ثقافيا، التقيت بأصدقاء الدراسة السابقين، هناك كان "بوبكر" أمضيت معه أوقات ممتعة مغزاها النقاشات الفكرية الحامية..كنا نتحدث كثيرا عن الأحلام والمشاريع الثقافية المستقبلية.
الحلم تطلع نحو الأمثل، أن تعيش لحلم أو تحيى لوهم قد يغذو حقيقة في يوم من الأيام، وصفناه بالوهم لأنه لم يتحقق في حاضرنا.
لكم أمقت هذا الحاضر لأنه يستبعد إمكانات الوجود ويحصرها في الإمكانية القائمة. في لحظة خطرت ببالنا فكرة السفر ل"تفراوت".أحيانا قد تكون الفجائيات أفضل من التخطيط المسبق.ففي تجربتي الحياتية أجد كل المخططات الهادفة لفعل ما لا تتحقق.ما السبب؟؟ لا أدري، لكن صرت في هذه الآونة الأخيرة أتخذ منهج التقية سبيلا هادفا لتحقيق ما أريده.
طريق "تفراوت" وعرة، تضاريس صعبة، يخيل لي في لحظة أنني أمشي على الصراط أو على حبل كمهرج في السيرك.لماذا وصفوه بالأطلس الصغير؟ نعلم أن الصغير غالبا ما يكون مشاكسا، ويمكن توقع كل شيء يصدر منه.
لم أخشى تضاريس الأطلس الكبير عندما كنت في سفرية هناك، لكن تملكني الخوف من السقوط في أعالي الأطلس الصغير.
وصلنا مساءا إلى تلك البلدة الغنية حتى أن بيئتها شبه صحراوية، بلدة معزولة صغيرة، تحيط بها الجبال من كل جانب، معمارها يدل على الغنى الذي يتسم به سكانها، شوارعها مزينة بأشجار النخيل، اختلفت تفسيراتنا حول مصدر هذا الغنى، فبلغنا أن السكان يشتغلون بالتجارة،وهم أمازيغ لكن ما سجلته في ذلك اليوم هو تميزهم بالبخل.ما للتبذير أن يجد طريقه إلى تفراوت.
أن تعيش هو أن تحيى من أجل المال ولا شيء غيره، لهم القدرة الكبيرة على الإغواء:ممارسة الحيلة، التقية والإنهمام بالذات. قمنا بالبحث عن فندق يؤوينا من شدة البرد القارس الذي كان سائدا في تلك الليلة. ولجنا فندق "تفراوت" لا شيء يدل على صفة الفندقة التي يحملها:لا وجود لسخانات الماء فيه، غرفة عتيقة، أرائك مهترئة، لم نكثرت كثيرا، الأمر الواقع قد يفرض سلطته، لدا ما عليك سوى الإذعان والتكيف مع هذا الوضع، مجادلاتنا الفكرية أنستنا إهتراء الغرفة. كان بوبكر يصفني بعدمية ما بعد الحداثة، كل الأفكار المنتقدة لتراث الحداثة، كانت حاضرة بقوة. الحضور، دريدا،الأركيولوجيا،الإرادات..آخذت على بوبكر دراساته العليا في مصر، كونه لم يكن متحمسا لها.
_
الثقافة المدرسة في مصر هي إيديولوجية قومية تعبوية.
_
لا غرابة: مصر هي قلعة العروبة، مركز الوطن العربي.
_
التكوين هناك ليس في المستوى المطلوب، هدفي هو الحصول على دبلوم مهني يستخذم في الترقية أو ماشابه.
كل هذا كان تحث طائلة أغاني عربية منبعثة من هاتفي النقال، جعلت شؤم الفندق يتحول إلى بهاء وتفاؤل.
النوم قد يحول الحياة من شكل ظاهر إلى شكل آخر باطن، لكن عندما يشتد البرد، يشتد النزاع حول الغطاء، الوقاية من برد تفراوت لا يتم إلا بتوفره.
استيقظنا باكرا للذهاب إلى ريف تفراوت، لم تكن لنا معرفة بهذا الريف إلا بسؤال أرباب المقاهي والمطاعم الذين كنا نتناول عندهم الوجبات. "أملن" منطقة يوجد بها وادي كثيف الأشجار والنخيل، تبعد عن المركز بعشر كلم، كان الهدف هو البحث عن الخضرة والماء والهواء.الحياة تغدو أجمل عندما توجد على طبيعتها الأصلية، عذرية الطبيعة بعيدا عن صخب الحضارة. أول ما وطئت أقدامنا "أملن" تطالعنا لافتة تضم ممنوعات موجهة للزوار أو الغرباء: لا تلوث المياه، ممنوع السباحة...كأن الأهالي لا يريدون الأجنبي.لا غرابة لأنهم ليسوا بحاجة لدراهمهم. المكان صعب التضاريس ونحن ليس لنا دراية به. استفسارات من هنا وهناك لبعض السكان حول سبل الوصول إلى شلال يتبدى لنا في الجبل العالي، لكن الوادي الكثيف الأشجار يقف حاجزا. في البدء ولجنا الوادي حتى كدنا نفقد طريق العودة من حيث أتينا، ما راعني أكثر هو وجود الخنازير والذئاب وذلك من خلال آثارهم.
_
فلنرجع من حيث أتينا، ونكتفي بالمشاهدة من بعيد.
_
لن نتوانى إلا بالوصول لهدفنا.
بعد جهد جهيد وصلنا إلى شلال المياه، لكن نبعه كان بعيدا بفعل وعورة التضاريس، حينما يتعجرف الأطلس لا نعود نتحدث عن كبير أو صغير.
وهو ما أحدث تغيرا في ذهني. التجربة تحدد بنية الأفكار أحيانا، بعد عودتنا إلى إفني تنفست الصعداء، لما عايشته من حلم في قلب سوس.
تبقى أثرا يحكى، لأننا سنصير في يوم من الأيام حكاية.
..
 12/04/2012




قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014