تفاح أخضر








حملت حقيبتها اليدوية عن الأرض وتحركت في مسار الريح القوية التي كانت تهز الصباح . يسابقها شعرها الذهبي إلى الأمام فيعانق وجهها المشتعل جمالا . تنجح قطرات الدمع على وجنتيها في اصطياد بعض من شعرها المتناثر الثائر . اختفت من ذهنها الأسباب وبقيت النتيجة ماثلة على جسدها . هذه العينان الزرقاوات الغارقتين في احمرار الهيجان ، هذه الهرولة القريبة حتما من الجري . كانت الأسئلة قد اختفت فعلا ، لكن عبارة أو اثنتين من آخر كلام دار بينهما بقيت تراوح مكانها داخل العقل والقلب .
تكبدت كل هذه المسافة الفاصلة بين بيتها ومحطة القطار لتسمع منه هذا التأبين الذي يطنطن في أذنيها الجميلتين مانعا أصوات جماهير المارين والواقفين في أطراف هذه الشوارع والأزقة من بلوغها .
قالت والدموع متكورة على العتبات " ماذا سنصنع ؟" أحس بلسعات برد مفاجئة ، تجمد لحظة تم قال " أنت تعرفين أنني لا أعرف ماذا يجد ربي أن أقول ، تعرفين أننا رغم كل القصائد والخطب لا نصنع مصائرنا ، تعرفين أنني لا أستطيع .. " أوحى صمته التالي على أن عبارته لا زالت تصك بلغة لا منطوقة ، وصمتها كان استماعا ، لكن العبارة انتهت في الصمت كما استمرت فيه . تسلمت معول الكلام الذي يحفران به قبرا لأحلامهما بوعي مؤلم ، " .. لا أستطيع أن أعترض على هذا البيع الذي أكون سلعته ، أنا غير قادرة على جمع أشلاء هذه المشاعر في كلام مفهوم ، .. أنت ، لا تقل لي بأنك لا تستطيع ، يجب أن تخبرني ، ماذا سأفعل .. ؟ "
تريده بشدة ، يريدها أكثر من إرادتها هي له  . كانا فيما مضى يتبادلان هذه الحقيقة في صوفية تامة ، كانت تقول " أحبك جدا وأريدك بشدة " وكان يرد " .. أنا أكثر " ، تثيرها كثيرا هذه العبارة ، فكانت تطالبه بأن يسمح لها ولو لمرة أن تحبه هي أكثر منه . يحملان في أعمق أعماقهما هذه الألغام المتفجرة باستمرار منذ أن فصلت الصدفة بينهما كما جمعت بينهما . هذه المشاعر التي توحي لكليهما بأشياء من قبيل الذنب والخيانة وكذا اللعنة ، فهو يحس بأنه لم يمتلك الشجاعة في الوقت الذي كان للشجاعة معنى ، لم يغضب ولم يواجه الأشياء ، لم يملك النزر القليل من الشجاعة ليواجه الجميع بحبهما . يسمح لنفسه بأن يبني كل هذه الأحلام من طوب الأمنيات . لكنه في الأعماق يشبع رغبة قديمة في استكشاف العواطف ، يجرب الحب ويوهمها كما أوهم نفسه بأنها الحقيقة .
أدارت المفتاح ودلفت إلى المنزل مرهقة من تحقق الكابوس ، توجهت رأسا إلى غرفتها وارتمت كما يليق بجثة ترديها رصاصة في الرأس . وأمام عينيها بزغ شكله الفج وهو يسحب يده من يديها ، ويرفع عن الأرض حقيبته المكتنزة قبل أن يقول " ماذا تريدين مني أن أصنع ، .. أنا قررت أن أغادر ولن يمنعني أحد بما فيه أنت ، .. ربما أنا جبان ، وربما لا .. ، "
  
                  بقلم : عصام 


قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014