عندما قلت لخطيبي "المتحرر": لست عذراء!


تتراصف وجوههم، أمي، أبي، أخي، أختي، جدي، جدتي، خالاتي، أعمامي، وأولاد عمي، حتى جيراني، وصاحب دكان السجائر ابو كريم، الذي كان لطالما يردد عندما يراني "الله يستر عليك يا بنتي، الله يفرحني فيك يا بنتي". كل الوجوه التي أعرفها كانت بلا اجساد. واجهتني بنظرة حادة مخيفة قاتلة، في غرفة شبيهة بالقبر وظلمتها خانقة كسواد تابوت مقفل. برز وجه اخي بين تلك الجموع المكسوة بضباب رمادي اسود وفي يده سكين، كنت أنظر الى حقد نظراته الشيطانية، وانا ساكنة هادئة ومشلولة الحركة كأنني مسجونة وفي شوق الى ان يطعنني لأرتاح من عبء قصتي.
فنفسي تواقة لتحرر نفسها من أسر ازدواجيتها ولأن تعلن عن حقيقتها. إثر طعنته الأولى انتفض جسدي بصمت وفي الطعنة الثانية شعرتُ بالألم. وعند الطعنة الثالثة لفظت انفاسي الأخيرة ورأيت روحي كخيال شق طريقه ورحل ... وحين صرخت بأعلى صوتي لكي تعود روحي الى جسدي استيقظتُ وايقظتُ عائلتي. كان فراشي مبللاً بالعرق كجسدي ووجهي الذي اجتاحه الخوف وهزته الصدمة... هرعت امي الى سريري وفي يدها كوب من الماء، وضعت يدها على وجهي، مسحت لي عرقي، وأطفأت عطشي، بعدها قرأت لي آية الكرسي وقالت لا تخافي انه كابوس، ستعاودين النوم بطمأنينة حين انتهي من آية الكرسي وبعض الآيات القرآنية الأخرى...
   عشقته... هو رجل والرجال قلة قليلة في هذا الوطن، طويل القامة اسمر البشرة وعريض المنكبين، انيق ويتقن احترام نفسه امام المرأة . كانت النساء يرمين أنفسهن عليه من كل صوب وحدب. التقت به اول مرة حين كانت تحمل على ظهرها صلبان الخيبة والتعاسة، والاحلام المدمرة كالحرب التي دمرت وطناً. قابل وجهها في المرة الأولى حين كان يقطنه الحزن والألم والشفاه المتحجرة التي ما عرفت الابتسام منذ سنتين، اي منذ ان اكتشفت بالصدفة ان حبيب عمرها وطفولتها، ابتلعته اميركا وتزوج من إحدى نسائها. وبعد انتظار دام ثلاث سنوات اتصل بها في ليلة ممطرة وقال لها "المهاجر الأميركاني": انتِ خسارتي في هذة الحياة، لكنني بحاجة الى جنسية الاميركية، ولا أريد العودة الى لبنان".
 ... بعد مرور سنتين على ذلك الاتصال، ابتسمت حين قال لها ذلك الرجل الذي جمعتها الصدفة به ان لعينيها سحراً وجمالاً يفوقان الخيال ويتحديان الوصف... صمتت وفوجئت. نظرت من حولها لتتأكد ان كان من امرأة اخرى في المكان، استطاعت وسامته ان تخطف أنفاسها من جديد. فقالت نعم، أعتذر لم أسمعك هل تستطيع ان تعيد ما قلته قبل لحظات. كانت بحاجة ماسة ليعيد لها ما قاله. وهي شخص يؤمن بالتكرار. لان وحده التكرار ينتج الكمال على خلاف ما يقوله مثلنا العربي المتخلف "ان التكرار يفيد الحمار"... وأعاد ما قاله للتو، لكنه اضاف على جملته جمالاً أوقع قلبها بين يديه منذ ان نظرت الى عينيه للمرة الاولى.
وبعد لقاءات متعددة - وكان كل لقاء أجمل من الأول- عرفت معنى العشق الذي يختلف اختلافا كلياً عن الحب، وبدأ عشقه يمشي في عروقها، إلى ان مارست الحب معه ذات يوم وكان ذلك اليوم من اجمل ايام حياتها، كان روحها وجسدها. فكانت على استعداد ان تعطيه روحها لأنه روحها وقلبها، لأنه يحيي قلبها. فالعشق يتخطى الجسد والعذرية. كانت تراه "حلالها" لأن الحلال في اعتقادها هو الصدق والنية الصافية النقية... ولأسباب قاهره شاء القدر أن يفترقا بسلام...
وبعد مرور خمس سنوات على تلك التجربة الخيالية التي لطالما اعتبرتها بمثابة هبة من عند الله، التقت بشاب في سهرة عند احدى صديقاتها، وبعد انقضاء الليل اتصل بها ليخبرها انه أُغرم بها منذ ان نظر الى عينيها لأول مرة، وانها امرأة احلامه التي يريدها ان تكون شريكة حياته. وبعد لقاءات متعددة ونقاشات عن اهمية تحرر المرأة احبته، فشرّعت ابواب قلبها لتعاود الدخول الى عالم العشق مرة أخرى. وحين قرر ان يطلب يدها من أهلها قالت له:" اريد ان اخبرك شيئا، بناء على حواراتنا السابقة، اي حين قلت لك ووافقتني الرأي، عن ان جسدي ملك لي ومن حقي كفرد. أما عن شرف أخي وعائلتي الذي يربطه مجتمعنا المعظم بأعضائي  التناسلية، فأنا أؤمن ان الشرف يرتبط بالقيم والمصداقية والاخلاق والاحترام للرجل كان أم للمرأة، ولكل منا شرفه وأعضاؤه ...". فهز رأسه اعجابا وتقديراً، فاستسلمت نفسها للراحة ووثقت به ... وروت له عن ماضيها فقاطع حديثها "لا علاقة لي بالماضي فلكل منا ماضيه"، فارتسمت الابتسامة على وجهها ووضعت قبلة دافئة على خده. لكن حين قالت له إنها ليست عذراء، احتل الصمت حيزهما المكاني ولوهلة اختفت ضجة المطعم، إلى ان استعادت الكلمات صوته وقال" هذا الأمر لا يعنيني ولا يهمني".
أنهيا الحديث وحددت له موعداً ليتعرف إلى أهلها. وبعد أيام من اللقاءات والفروض الاجتماعية، علقا أصابعهما بالخواتم... وبدأ الأهل بمناقشة المتقدم والمتأخر من المهر الى ان اختلفوا على الرقم المطلوب. وأثناء خلاف الأهل اقترب منها وهمس في أذنها "إذا عرف والدك بأنك لست عذراء، هل تعتقدين أنه سيتراجع عن طلبه؟". حولت نظرها الى عينيه وضحكت بعدها ثم قالت "ولمَ لا تقول له ذلك، أعتقد انه من الممكن ان يتراجع وسيحل الخلاف، لكن لا أعتقد اننا بحاجة لحل اي شيء بعد هذه اللحظة". خلعت خاتم الخطبة من اصبعها وقالت له بهدوء "خذ خاتمك ولكل منا طريقه"... 
 نور ملص
المصدر : أصوات كوم

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014