((الرجل يُعَرَّف على أنه إنسان,المرأة تُعَرَّف على أنها أنثى, وحينما تتصرّف المرأة كإنسان يُقال لها إنها تقلِّد الرجل)).....سيمون دو بوفوار
إنها شخصية ذات كيان مستقل ومتميز وخارج على الأعراف , بل ثائرة إلى الحد الذي جعلها ترفض الخضوع لمصير يحتّم على أنوثتها أن تكون أمَّاًً أو زوجة, لتعيش طوال عمرها هاجساً استحكم كل حياتها وأعمالها وهو حرية المرأة ومن ثم حرية الكائن الإنساني عموماً.
الفيلسوفة والكاتبة الوجودية (سيمون دو بوفوار) التي وعلى الرغم من أن اسمها نادراً ما يذكر إلا ويرافقه اسم الفيلسوف والكاتب (جان بول سارتر) إلا أنها لم تكن يوماً تابعة له أو لأفكاره.
ولدت في باريس عام 1908 لعائلة برجوازية أثّرت في تنمية مواهبها الأدبية وبشكل أظهر ومنذ وقت مبكر نبوغها الفكري وإلى أن تخرجت من جامعة السوربون وحصلت على شهادة الدكتوراه في الفلسفة وبتفوق.
أما رفيق عمرها وشريك أفكارها فقد تعرّفت عليه على مقاعد الدراسة في جامعة السوربون ,وكان لقاء عمرها ,ذلك أن التواصل الفكري بينهما سرعان ما تحوّل إلى تواصل مع القلب وإلى ما بعد الموت.
لقد كانت مسيرتهما واحدة, فلقد تخرجا معاً وعملا بالتدريس في المدارس الثانوية , لكن ولأن كلاً منهما قد عيّن في منطقة تبعد عن الأخرى , تركت التدريس ولحقت به بعد أن ضاقت ذرعاً بفراق سرعان ما أخضعته لقلبيهما, ليكوّنا ثنائياً متفاهماً في كل المجالات (الفكر, الأدب, السياسة), وأيضاً في نشر نتاجاتهما الفكرية ومن خلال رحلاتهما إلى بلدان استُقبلا فيها بكل الترحاب.
عملت (سيمون) أيضاً كأستاذة جامعية في السوربون (1943) لتقوم بعدها بنشر روايتها الأولى (المدعوّة) التي كان لها أشد الأثر في صقل شخصيتها , كفيلسوفة ومفكرة ولا سيّما في المجال النسوي,المجال الذي خاضت فيه منذ شغل تفكيرها إلى أن شغل كتاباتها وأبحاثها التي نادت من خلالها بحرية المرأة وحقها في رفض أوضاعها, مما أدى إلى اختيارها رئيسة للرابطة الفرنسية لحقوق المرأة
وتستمر وبشغف في البحث عن كل ما يحرر المرأة من تناقضات وجودها , متصارعة بذلك برغبتها الأنثوية بالزواج من (سارتر) والتقاليد ورغبتها بحرية لا قيد فيها
وهكذا , ورغم تعلقها الشديد بسارتر مثل تعلقه بها وشغفه بذكائها إلا أن أحداً لم يعرف سبب عزوفها عن الزواج لتمضي بها الحياة على ما هما عليه من ولع لا مثيل له
وإلى أن يسقط سارتر صريع المرض فلا تغادره وإنما تلازمه حتى لحظة موته وكانت في نيسان 1980 لتذهب بعدها إلى المستشفى الذي كان فيها , فتنام في الغرفة نفسها التي رقد فيها جثمانه.
ويرحل تاركاً لها خذلاناًً وجدت له مبرره ,ذلك أنه لم يترك لها وصية تخصّها بالوصاية على أعماله أو على رسائله الموجهة لها, وإنما كانت وصيته لفتاة كان قد تبناها وارتبط معها بعلاقة استمرت سنوات.
كل هذا لم يمنع (سيمون) من الإصرار على نشر رسائلها الموجهة له ودون الرجوع للفتاة بل دون أن تحمل ضغينة للراحل, طالما كانت تعتقد أن خشيته من أن تضيع أعماله أو تُهمَل , أو من أن تلحق به الحبيبة هو ما دفعه لفعل ذلك.
أهم مؤلفات (سيمون دوبوفوار) كتاب (الجنس الآخر) الذي كان من أهم الكتب داخل وخارج فرنسا, وفيه عالجت أوضاع تلك الفترة( ثقافية,اجتماعية, نفسية) وخضوع المرأة للعديد من العادات والتقاليد المتخلفة
أيضاً ومما أغنت به الحركة الثقافية الفرنسية سيرتها التي ركزت ضمنها على تجاربها كأنثى وامرأة.....وابتداءً من كتاب (قوة السن_1960)و(قوة الأشياء_1963)و(الموت السهل_1964) إلى أن كتبت وبجرأة سيرتها الذاتية المؤلفة من أربعة كتب هي (مذكرات ابنة مطيعة, في ربيع الحياة, قوة الظروف, كل شيء قيل وحدث).
بيد أن سيرتها هذه هي من دفع النقاد لاعتبارها مؤرخة الحياة الفكرية في فرنسا بصدقها وشجاعتها وتحملها أبعاد الأمانة المفترضة في السير الذاتية.
و لم تنقطع (سيمون) عن وفائها لسارتر ,إذ أقامت في شقة تطل على مقبرته إلى أن وافاها الأجل أيضاً في نيسان من عام 1980 لتكون وصيتها بأن تدفن في المقبرة نفسها التي دفن فيها, علَّها بذلك تحقّق ما سعت إليه طوال حياتها وهو شراكة الفكر والقلب وأيضاً المقبرة.