لست هذا ، وهذا
ليس أنا . ، أين أنا ؟ أين أكون قد اختفيت ؟ أليس هذا الصوت لي ؟ .. بلى ، هذا صوتي ، أسمعه كل حين ، في كل صمت
وعند كل مقبرة ، صوتي هذا المتحشرج المرتبك المختفي ، .. أسمع بوضوح خجلي في آهات
الصمت ، لكني لا أراني ، فهذا ليس أنا ، ولا يمكن أن أكون أنا هذا الصنم المترنح
كل صباح بعد البعث وكل مساء قبيل الفناء .
يصلني صوتي كرسول وفي لرسالته من أعماق الأعماق ،
هناك حيث تضيق الزنزانة على كومة عظام مسبلة بغبار الأزلية . يصلني هنا دافئا
وباردا ، واثقا ومترددا ، فأسمع بكل درة من جسدي لغتي وأرتمي في بركة أنانيتي
لأستلهم الآمال والآلام حتى أكون قادرا على مزيد من الانتظار .
وصلت قبل الموعد بكثير وخلفتني ورائي ، فما إن وطئت
قدماي الوصول وغردت الحافلة التي لا تمر من المحطة إلا مرة في الوجود ، حتى اكتشفت
أني هنا وحيدا من دوني ، ، قرفصت ، مشيت جيئة وذهابا ، وقفت ، استلقيت ، وكل
الواصلين لم يكونوا " أنا " ، ومع كل صوت حافلة توشك على تبليغ رسالتها إلا
ونضح بداخلي هذا الصوت الذي يربكني ، فأسرع إلى قبالة باب الحافلة فلا أجد بقيت
الأشلاء اللازمة لأكتمل ، فلا أجد غير أنصاف يباغتها اكتشافها وخفت وقع أقدامها
الغير طبيعي ، هذا صوت ، هذا جسد ، هذا ماء ، وذاك إناء ...
توسطت بياض المكان ، وجلست ، تتسلل في الخياشيم رائحة
عبقة ، ويهدأ صوتي في السكون المريح . إذا تحركت شفتاي غردت كلماتي وسمعت ما أقول
، وإذا سكنت لا يلج سمعي غير السكون . وعندها خرجت راقصا، ، أعود كل يوم لآخذ جرعة
من الحقيقة ، وحينها فقط أدركتني ، فالإدمان عكس الحافلة يعود و يعود إلى نفس
المحطات ليعيد للمسافر حقيبة نسيها هنا أو هناك ، وقد أعاد لي نفسي .. كم جرعة
استلزم الأمر ؟ الكثير تم الكثير ،، انتشيت بنفسي في نسيان المغيب لحقيقة أن الضوء
كان منتشرا في كل الشعاب ذات لحظة من عمر اليوم . وحين فرغت المحطة من الحافلات
ومن أنصاف الواصلين ومن الزمن والمكان ، ومني ، عاد صوتي المكبل لوهلة فارتعدت إذ
بانت الخدعة .. ،
بقلم عصام بقسيم