لست مجرد كلمات



اختبرتني ، وأقررت في حكمك النهائي أنني كنت الكثافة المهولة من الكلمات المسكوبة على هذه المسودات ، وكنت ترتجفين وقد جمعت إلى حضنك أشلاءك ، تبكين وتأخذين في قبضتيك خصلات شعر متعب من ظلمة السكون ، وتصرخين في الهيكل الفارغ بداخلك ، تصرخين عاليا ،  " أنت خيال ، أنت مقاسات أمنية ، ومجرد كلمات ، ... " ..
انتصبت عاليا ، وتجمدت أطرافك وهلوست الشفتان ، بينما أنا في هدوء أستلقي داخل هذا الملف الذي جمعت فيه أيامي ، نعم مائة وثلاثين عاما ، هذا العمر الطويل قياسا بسنك الذي توقف الآن في الثلاثين سنة ، وكل سنة بصفحة إذ تسقطين معاييرك على ذاتك ، أكبرك بقرن ، وقد وقعت في غرامي ، ، أنت تعرفين هذا ، لكنك لا تكفين في هذه اللحظات عن نطق عمري بطريقة كاذبة لتقتلي ، أو لتتحايلي ، على الإحساس بالذنب الذي سيعتريك بعد أن تنفذي جريمتك الشنعاء في حق صدقي ونقائي ،، نعم شفتاك ترتجفان وهما تصكان " ... ما هذه إلا مائة وثلاثين صفحة كتبتها من حر خيالي ، ، خيال ، مجرد خيال ،، .. ولأني كتبت فإني أمسح ،، لأني بنيت فإني أهدم ،، ... "  
أنا لم أسرقك من عالمك كما كان نصيبك يقول وهو يضع يده على قامة ابنتك الصغيرة ، تلك التي شكرتك إذ عرفتها علي. كان يقول " ... أنا أتأسف على حالك ، كيف تسمحين للترهات أن تأخذك منا ، لقد أفقدك هوسك الإحساس بنا ، ماذا تظنين ، أن الكتابة هي ما سيجعلك متفهمة للحياة ، للعائلة ، ، لقد وعدت قبل سنتين أن تنهي هذه الرواية ولم تفي بوعدك ،، تكتبين مائة وثلاثين صفحة ، أقرأها ، تسألينني عن رأي فأخبرك بأنها جيدة ، تمزقينها ، لتعاودي الكرة ، ..... حالما تخرجين من دوامتك ، عودي إلينا ، سننتظرك ، لكن بعيدا عن هذا الجو الكئيب ..." ،، هذا ما قال وهو يصب غضبه عليك ، ألا تسمحين للنور أن ينفذ إلى     عيناك !؟ ، إنه يغير ، مني أو منك ، من الحياة التي تختبرينها بعيدا عن الأفق المسيج  بنظرته المتوحدة . إنه يغير من عمري الطويل ، من عمري المتجدد بك ومعك كل لحظة ، من فترات التحرر التي تقضينها هناك في المساحات الممتدة وراء المعقول .
نجحت خدعة العالم في إنزالك إلى جحيم المسافات الدائرية ، المتكررة ، فالعبارات التي على وجهك الآن وأنت تقفين وقفة الجلاد الذي تحول لتوه من عالم المثل والمبادئ إلى مصاف البشاعة المقززة ،، تقفين ، بعينيك تتأمليني ، تم فجأة تكتفين فقط بالنظر دون التأمل فأتحول من كائن عامر بالحياة إلى رزمة من أوراق مليئة بالمخربشات ، ويضيق ذهنك إلى أصبح يحتوي بدل العوالم الواسعة الكبيرة قصيدتين أو ثلاث موقعتان بخط الاستغراق التافه في  صفحة سوداء لا تسمح بإضافة أي كلمة جديدة . فجأة ولد الاختيار ، كأنك بصدد نقيضين ، حياة وموت ، ، كنت الأخير لدى اخترت الأول ،،
ومزقت الرزمة  ، ورقة،  ورقة ، وألقيتها في النار ، وانفلتت منها قطعة صغيرة ، أنجاها القدر ، ذاك الذي يكتبنا جميعا ، ، رمقتها بنظرة يائسة ، تم وضعتها نصب عينيك واستغرقت تقرئين وتعيدين العبارة المصكوكة عليها ... " لست مجرد كلمات " .

بقلم عصام بقسيم  

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014