خواطر "قروي" عن التنمية




     كثيرة هي التحديات التي تواجه بلادنا ، وكثيرة هي الأماني التي تحدونا لتجاوز المراحل بنجاح . لكن النجاح يستلزم العمل الجاد والمستمر أكثر من الأماني والآمال .
التنمية هي الكلمة الفيصل ، وهي الشفرة التي يتم بواسطتها فرز الأمم بين خانتي المتقدمة والمتأخرة . وهي معلومة يعرفها الجميع ، خاصتهم وعامتهم  ، ونعرف أكثر أنها  " الكلمة الإشكالية " ، حيث تضعنا دائما أمام حقيقتنا وتفضح على الدوام أوهامنا التي يفصلها " الخاصة " منا على المقاس .

لست أحاول أن أجرد السيرة الحياتية لمفهوم التنمية هنا ، فقد فصل الخبراء والمعنيون وغيرهم ذلك في سنوات منفوخة بالملتقيات والاجتماعات في الوطن وخارجه  ، وفصلته أكثر غضبة الشعوب الملتهبة . بل كل ما أحاول أن أفعله هنا هو سرد لخواطر مواطن عن التنمية في بلاده .

نجح إعلامنا اليتيم ، وسياسيونا الأبديين ، وغيرهم من أشباح هذا الوطن في دفعنا إلى الإيمان بالأوهام . لازلت أتذكر كيف فتحت حملات التعريف بتلك المسماة " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية " – فتحت – نافدة واسعة نرى من خلال زجاجها الصقيل سهولا خضراء غناء مزهرة رغم أن بيتنا ( وطننا ) يستقر تماما في عمق قحل الصحراء . تلك المبادرة التي اوهمتنا بالجنة في أفق سنوات قادمة ، لكنها لازالت كما كانت تبيع سلعتها بعد هذا الزمن  .

اكتب هذا المقال من تلك القرية التي بلغتها كما غيرها أوبئة التردي والأمية والفقر . نعم أكتب على الحاسوب المربوط بالكهرباء .  فقد ربط المسئولون قريتنا بالكهرباء كما عبدت الطريق إليها . فهذا هو الشكل الرسمي للتنمية ، أن تنير غرف المنازل المتهرئة بالإنارة وتقضي على الزوبعة الصغيرة التي تخلفها سيارة قد تمر من هنا ، وذلك بتعبيد الطريق ، وكذا إطلاق شبكة التغطية الهاتفية ، وطبعا إغراق القرويين بالفواتير التي لا تنتج قريتهم المال الكافي لدفعها .  إنها التنمية المعلبة . أما إصلاح المدرسة ومد القرية برجال ونساء التعليم ، وتجهيز المستوصف بما يلزم من موارد ، وحل مشاكل القروي المرتبطة بالأساس مع نشاطه المهني ( الفلاحة ) ... فهذه أشياء لا مكان لها في قاموس التنمية في بلادنا ، أما الشعارات فهي شعارات تقال كما قيلت على الدوام لتطرب الجيران لا أصحاب الدار .

إن الإعاقة التي لحقت فهمنا للتنمية قد أنتجت صورا مؤسفة عن تردي المسار الاجتماعي لبلادنا ، وهو ما ذكرني به عنوان الفلم الوثائقي الذي لم أكمل متابعته ، " قرى بدون رجال " . هو الوصف الدقيق الذي لم تخطئه عيني " ولم يكن لها لتفعل " حينما حل العيد وقام رجال قريتي من الاختفاء الذي طاولهم لسنة في بقاع هذا الوطن بعيدا عن أسرهم " زيجاتهم وأبنائهم وآبائهم ..." أملا في نيل تمار الوهم الذي ترسمه شاشة التلفاز عن مدن مغربية تعطي للجميع فرصة لكسب الحياة وليس فقط لكسب قوت الاستكانة والمهانة .

تنمية القرى في هذا الوطن العزيز أمر بالغ الأهمية وله أثر مباشر وأكيد على تنمية المدن وبالتالي الوطن ، والتنمية يجب أن تستحضر عوامل شتى منها الجغرافيا والديمغرافيا المميزة لكل  عينة مستهدفة بالتنمية على حدا ، ولأن رأسمال هذا البلد هم مواطنوه ، فالتنمية تستدعي صب كل الاهتمام على هذا العنصر ، من خلال بناء المدارس وتجهيزها بكافة الموارد اللازمة لبناء مواطن ( قروي أو مدائني ) وكذا بتحسين حياتهم وتمكينهم من الشغل المراعي لكرامتهم ولأمنياتهم ، ...

أعرف أن ما أقوله ليس جديدا ، وأن نصائح مواطن لا يمكن أن تضيف شيئا ، لأن ما يقال من العرف المعروف ، ولأن من يقال لهم ليسو هنا ليسمعوا رأي المواطن ، فهو في عرفهم رعية يهش عليه .

بقلم : عصام 

قالب تدوينة تصميم بلوجرام © 2014