كثيرة هي التحديات التي تواجه بلادنا ، وكثيرة هي
الأماني التي تحدونا لتجاوز المراحل بنجاح . لكن النجاح يستلزم العمل الجاد
والمستمر أكثر من الأماني والآمال .
التنمية هي الكلمة الفيصل ، وهي الشفرة التي يتم
بواسطتها فرز الأمم بين خانتي المتقدمة والمتأخرة . وهي معلومة يعرفها الجميع ،
خاصتهم وعامتهم ، ونعرف أكثر أنها " الكلمة الإشكالية " ، حيث تضعنا
دائما أمام حقيقتنا وتفضح على الدوام أوهامنا التي يفصلها " الخاصة "
منا على المقاس .
لست أحاول أن أجرد السيرة الحياتية لمفهوم التنمية
هنا ، فقد فصل الخبراء والمعنيون وغيرهم ذلك في سنوات منفوخة بالملتقيات
والاجتماعات في الوطن وخارجه ، وفصلته
أكثر غضبة الشعوب الملتهبة . بل كل ما أحاول أن أفعله هنا هو سرد لخواطر مواطن عن
التنمية في بلاده .
نجح إعلامنا اليتيم ، وسياسيونا الأبديين ، وغيرهم من
أشباح هذا الوطن في دفعنا إلى الإيمان بالأوهام . لازلت أتذكر كيف فتحت حملات
التعريف بتلك المسماة " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية " – فتحت –
نافدة واسعة نرى من خلال زجاجها الصقيل سهولا خضراء غناء مزهرة رغم أن بيتنا (
وطننا ) يستقر تماما في عمق قحل الصحراء . تلك المبادرة التي اوهمتنا بالجنة في أفق
سنوات قادمة ، لكنها لازالت كما كانت تبيع سلعتها بعد هذا الزمن .
اكتب هذا المقال من تلك القرية التي بلغتها كما غيرها
أوبئة التردي والأمية والفقر . نعم أكتب على الحاسوب المربوط بالكهرباء . فقد ربط المسئولون قريتنا بالكهرباء كما عبدت
الطريق إليها . فهذا هو الشكل الرسمي للتنمية ، أن تنير غرف المنازل المتهرئة
بالإنارة وتقضي على الزوبعة الصغيرة التي تخلفها سيارة قد تمر من هنا ، وذلك
بتعبيد الطريق ، وكذا إطلاق شبكة التغطية الهاتفية ، وطبعا إغراق القرويين بالفواتير
التي لا تنتج قريتهم المال الكافي لدفعها .
إنها التنمية المعلبة . أما إصلاح المدرسة ومد القرية برجال ونساء التعليم
، وتجهيز المستوصف بما يلزم من موارد ، وحل مشاكل القروي المرتبطة بالأساس مع
نشاطه المهني ( الفلاحة ) ... فهذه أشياء لا مكان لها في قاموس التنمية في بلادنا
، أما الشعارات فهي شعارات تقال كما قيلت على الدوام لتطرب الجيران لا أصحاب الدار
.
إن الإعاقة التي لحقت فهمنا للتنمية قد أنتجت صورا
مؤسفة عن تردي المسار الاجتماعي لبلادنا ، وهو ما ذكرني به عنوان الفلم الوثائقي
الذي لم أكمل متابعته ، " قرى بدون رجال " . هو الوصف الدقيق الذي لم
تخطئه عيني " ولم يكن لها لتفعل " حينما حل العيد وقام رجال قريتي من
الاختفاء الذي طاولهم لسنة في بقاع هذا الوطن بعيدا عن أسرهم " زيجاتهم
وأبنائهم وآبائهم ..." أملا في نيل تمار الوهم الذي ترسمه شاشة التلفاز عن
مدن مغربية تعطي للجميع فرصة لكسب الحياة وليس فقط لكسب قوت الاستكانة
والمهانة .
تنمية القرى في هذا الوطن العزيز أمر بالغ الأهمية
وله أثر مباشر وأكيد على تنمية المدن وبالتالي الوطن ، والتنمية يجب أن تستحضر
عوامل شتى منها الجغرافيا والديمغرافيا المميزة لكل عينة مستهدفة بالتنمية على حدا ، ولأن رأسمال
هذا البلد هم مواطنوه ، فالتنمية تستدعي صب كل الاهتمام على هذا العنصر ، من خلال
بناء المدارس وتجهيزها بكافة الموارد اللازمة لبناء مواطن ( قروي أو مدائني ) وكذا
بتحسين حياتهم وتمكينهم من الشغل المراعي لكرامتهم ولأمنياتهم ، ...
أعرف أن ما أقوله ليس جديدا ، وأن نصائح مواطن لا
يمكن أن تضيف شيئا ، لأن ما يقال من العرف المعروف ، ولأن من يقال لهم ليسو هنا
ليسمعوا رأي المواطن ، فهو في عرفهم رعية يهش عليه .
بقلم : عصام